وقولهم :﴿غَيْرَ الذى كُنَّا نَعْمَلُ﴾ إشارة إلى ظهور فساد عملهم لهم، وكأن الله تعالى كما لم يهدهم في الدنيا لم يهدهم في الآخرة، فما قالوا ربنا زدت للمحسنين حسنات بفضلك لا بعلمهم ونحن أحوج إلى تخفيف العذاب منهم إلى تضعيف الثواب فافعل بنا ما أنت أهله نظراً إلى فضلك ولا تفعل بنا ما نحن أهله نظراً إلى عدلك وانظر إلى مغفرتك الهاطلة ولا تنظر إلى معذرتنا الباطلة، وكما هدى الله المؤمن في الدنيا هداه في العقبى حتى دعاه بأقرب دعاء إلى الإجابة وأثنى عليه بأطيب ثناء عند الإنابة فقالوا الحمد لله وقالوا ربنا غفور اعترافاً بتقصيرهم شكور إقراراً بوصول ما لم يخطر ببالهم إليهم وقالوا :﴿أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ﴾ [ فاطر : ٣٥ ] أي لا عمل لنا بالنسبة إلى نعم الله وهم قالوا :﴿أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صالحا﴾ إغماضاً في حق تعظيمه وإعراضاً عن الاعتراف بعجزهم عن الإتيان بما يناسب عظمته، ثم إنه تعالى بين أنه آتاهم ما يتعلق بقبول المحل من العمر الطويل وما يتعلق بالفاعل في المحل، فإن النبي ﷺ كفاعل الخير فيهم ومظهر السعادات.
فقال تعالى :﴿أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النذير ﴾.
فإن المانع إما أن يكون فيهم حيث لم يتمكنوا من النظر فيما أنزل الله، وإما أن يكون في مرشدهم حيث لم يتل عليهم ما يرشدهم.


الصفحة التالية
Icon