فكنى عن هى، وهى للأيمَان ولم تذُكر. وذلك أن الغُلّ لايكون إلاّ باليمين، والعنق، جامِعاً لليمين، والعُنق، فيكفِى ذِكر أحدهما مِن صَاحِبه، كَمَا قَالَ ﴿فمنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أو إثماً فأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ﴾ فضمّ الوَرَثة إلى الوصىّ ولم يُذكروا ؛ لأن الصلح إنما يقع بين الوَصىّ والوَرَثة. ومثله قول الشاعر:
وما أدرى إذا يمّمت وجهاً * أُريد الخير أيُّهما يلينى
أَأَلخير الذى أَنَا أبتغيه * أم الشرّ الذى لا يأتلينى
فكنىعن الشرّ وإنما ذكر الخير وَحده، وذلكَ أن الشرّ يُذكر مع الخير، وهى فى قراءة عبدالله (إنا جعنا فى أَيْمانهم أغلالاً فهى إلى الأذقان} فكَفتِ الأَيمان من ذكر الأعناق فى حرف عبدالله، وكَفَت الأعناق من الأَيمان فى قراءة العامَّة. والذَقَن أسْفل اللَّحيين. والمُقمَح: الغاضّ بصره بعد رفع رأسِهِ. ومعناه: إنا حبسناهم عن الإنفاق فى سَبيل الله.
﴿ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾
وقوله: ﴿فَأغْشَيْنَاهُمْ...﴾
أى فألبسنا أبصَارهم غِشَاوة. ونزلت هذه الآية فى قوم أرادوا قتل النبىّ ﷺ من بنى مخزوم، فأَتوه فى مُصَلاَّهُ ليلا، فأعمى الله أبصارهم عنه، فجعلوا يسْمعونَ صوته بالقرآن ولا يرونه. فذلك قوله ﴿فَأغْشَيْنَاهُمْ﴾ وتقرأ ﴿فأعْشَيْنَاهُمْ﴾ بالعين. أعْشيناهم عنه ؛ لأن العَشْو بالليل، إذا أمسيت وأنت لا ترى شيئا فهو العَشْو.
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾
وقوله: ﴿وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ...﴾
أمّا ما قدّموا فما أسلفوا من أعمالهم. وآثارُهُم مَا اسْتُنّ به مِن بعدهم. وهو / ا مثل قوله ﴿يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأخَّرَ﴾.