وبعد عودتهما حصل لهما ما حصل لهما في الأولى وبالخصوص في قضية وجوب الختان على من يدخل في الدين، فذهب بولس وبرنابا إلى أورشليم لمراجعة الحواريين فرأى أحبار أورشليم أن يؤيدوهما برجلين من الأنبياء هما ( برسابا ) و ( سيلا ).
فأما ( برسابا ) فلم يمكث.
وأما ( سيلا ) فبقي مع ( بولس وبرنابا ) يعظون الناس، ولعل ذلك كان بوحي من الله إليهم وإلى أصحابهم من الحواريين.
فهذا معنى قوله تعالى :﴿ إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ﴾ إذ أسند الإرسال والتعزيز إلى الله.
والتعزيز : التقوية، وفي هذه المادة معنى جعل المقوَّى عزيزاً فالأحسن أن التعزيز هو النصر.
وقرأ أبو بكر عن عاصم ﴿ فعززنا ﴾ بتخفيف الزاي الأولى، وفعل عزّ بمعنى يحيي مرادفاً لعزّز كما قالوا شدّ وشدّد.
وتأكيد قولهم :﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾ لأجل تكذيبهم إياهم فأكدوا الخبر تأكيداً وسطاً، ويسمى هذا ضرباً طلبياً.
وتقديم المجرور للاهتمام بأمر المرسل إليهم المقصود إيمانهم بعيسى.
قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥)
كان أهل ( أنطاكية ) والمدن المجاورة لها خليطاً من اليهود وعبدة الأصنام من اليونان، فقوله :﴿ ما أنتم إلا بشر مثلنا ﴾ صالح لأن يصدر من عبدة الأوثان وهو ظاهر لظنهم أن الآلهة لا تبعث الرسل ولا تُوحي إلى أحد، ولذلك جاء في سفر أعمال الرسل أن بعض اليونان من أهل مدينة ( لسترة ) رأوا معجزة من بولس النبي فقالوا بلسان يوناني : إن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا فكانوا يدعون ( برنابا ) ( زفسَ ).