واعلم أن المشهور في قوله :﴿فَطَرَنِي﴾ خلقني اختراعاً وابتداعاً، والغريب فيه أن يقال : فطرني أي جعلني على الفطرة كما قال الله تعالى :﴿فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا﴾ [ الروم : ٣٠ ] وعلى هذا فقوله :﴿ومالِيَ لاَ أَعْبُدُ﴾ أي لم يوجد في مانع فأنا باق على فطرة ربي الفطرة كافية في الشهادة والعبادة فإن قيل فعلى هذا يختلف معنى الفطر في قوله :
﴿فَاطِرَ السموات﴾ [ الأنعام : ١٤ ] فنقول قد قيل بأن فاطر السموات من الفطر الذي هو الشق فالمحذور لازم أو نقول المعنى فيهما واحد كأنه قال فطر المكلف على فطرته وفطر السموات على فطرتها والأول من التفسير أظهر.
وقوله تعالى :﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ إشارة إلى الخوف والرجاء كما قال :﴿ادعوه خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [ الأعراف : ٥٦ ] وذلك لأن من يكون إليه المرجع يخاف منه ويرجى وفيه أيضاً معنى لطيف وهو أن العابد على أقسام ثلاثة ذكرناها مراراً فالأول : عابد يعبد الله، لكونه إلهاً مالكاً سواء أنعم بعد ذلك أو لم ينعم، كالعبد الذي يجب عليه خدمة سيده سواء أحسن إليه أو أساء والثاني : عابد يعبد الله للنعمة الواصلة إليه والثالث : عابد يعبد الله خوفاً مثال الأول من يخدم الجواد، ومثال الثاني من يخدم الغاشم فجعل القائل نفسه من القسم الأعلى وقال :﴿ومالِيَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِي﴾ أي هو مالكي أعبده لأنظر إلى ما سيعطيني ولأنظر إلى أن لا يعذبني وجعلهم دون ذلك فقال :﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي خوفكم منه ورجاؤكم فيه فكيف لا تعبدونه، ولهذا لم يقل وإليه أرجع كما قال فطرني لأنه صار عابداً من القسم الأول فرجوعه إلى الله لا يكن إلا للإكرام وليس سبب عبادته ذلك بل غيره.