وقال القرطبى :
فلما قتل حبيب غضب الله له وعجل النقمة على قومه، فأمر جبريل فصاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم ؛ فذلك قوله :﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السمآء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾ أي ما أنزلنا عليهم من رسالة ولا نبيّ بعد قتله ؛ قاله قتادة ومجاهد والحسن.
قال الحسن : الجند الملائكة النازلون بالوحي على الأنبياء.
وقيل : الجند العساكر ؛ أي لم أحتج في هلاكهم إلى إرسال جنود ولا جيوش ولا عساكر ؛ بل أهلكهم بصيحة واحدة.
قال معناه ابن مسعود وغيره.
فقوله :﴿ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾ تصغير لأمرهم ؛ أي أهلكناهم بصيحة واحدة من بعد ذلك الرجل، أو من بعد رفعه إلى السماء.
وقيل :﴿ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾ على من كان قبلهم.
الزمخشري : فإن قلت فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق؟ فقال :﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ [ الأحزاب : ٩ ]، وقال :﴿ آلاَفٍ مِّنَ الملائكة مُنزَلِينَ بِخَمْسَةِ آلاف مِّنَ الملائكة مُسَوِّمِينَ ﴾ [ آل عمران : ١٢٤ ١٢٥ ].
قلت : إنما كان يكفي ملك واحد، فقد أهلِكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة، ولكن الله فضل محمداً ﷺ بكل شيء على سائر الأنبياء وأولي العزم من الرسل فضلاً عن حبيب النجار، وأولاه من أسباب الكرامة والإعزاز ما لم يوله أحداً ؛ فمن ذلك أنه أنزل له جنوداً من السماء، وكأنه أشار بقوله :﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا ﴾.
﴿ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾ إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلا مثلك، وما كنا نفعل لغيرك.
﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ قراءة العامة "وَاحِدَةً" بالنصب على تقدير ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة.


الصفحة التالية
Icon