وقرأ أبو جعفر بن القَعْقَاع وشيبة والأعرج :"صَيْحَةٌ" بالرفع هنا، وفي قوله ﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾ جعلوا الكون بمعنى الوقوع والحدوث ؛ فكأنه قال : ما وقعت عليهم إلا صيحة واحدة.
وأنكر هذه القراءة أبو حاتم وكثير من النحويين بسبب التأنيث فهو ضعيف ؛ كما تكون ما قامت إلا هندٌ ضعيفاً ؛ من حيث كان المعنى ما قام أحد إلا هند.
قال أبو حاتم : فلو كان كما قرأ أبو جعفر لقال : إن كان إلا صيحةٌ.
قال النحاس : لا يمتنع شيء من هذا، يقال : ما جاءتني إلا جاريتك، بمعنى ما جاءتني امرأة أو جارية إلا جاريتك.
والتقدير في القراءة بالرفع ما قاله أبو إسحاق، قال : المعنى إن كانت عليهم صيحة إلا صيحة واحدة، وقدّره غيره : ما وقعت عليهم إلا صيحة واحدة.
وكان بمعنى وقع كثير في كلام العرب.
وقرأ عبد الرحمن بن الأسود ويقال إنه في حرف عبد الله كذلك "إنْ كَانَتْ إِلاَّ زَقْيَةً وَاحِدَةً".
وهذا مخالف للمصحف.
وأيضاً فإن اللغة المعروفة زَقَا يَزْقو إذا صاح، ومنه المثل : أثقلُ من الزَّوَاقي ؛ فكان يجب على هذا أن يكون زَقْوة.
ذكره النحاس.
قلت : وقال الجوهري : الزَّقْو والزَّقْي مصدر، وقد زَقَا الصدى يَزقْو زقاء : أي صاح، وكل صائح زاقٍ، والزَّقْية الصّيحة.
قلت : وعلى هذا يقال : زَقْوة وزَقْية لغتان ؛ فالقراءة صحيحة لا اعتراض عليها.
والله أعلم.
﴿ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾ أي ميتون هامدون ؛ تشبيهاً بالرماد الخامد.
وقال قتادة : هلكى.
والمعنى واحد.
قوله تعالى :﴿ ياحسرة عَلَى العباد ﴾ منصوب ؛ لأنه نداء نكرة ولا يجوز فيه غير النصب عند البصريين.
وفي حرف أُبَيّ "يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ" على الإضافة.
وحقيقة الحسرة في اللغة أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيراً.
وزعم الفراء أن الاختيار النصب، وأنه لو رفعت النكرة الموصولة بالصلة كان صواباً.


الصفحة التالية
Icon