واستشهد بأشياء منها أنه سمع من العرب : يا مُهَتمُّ بأمرنا لا تهتمّ.
وأنشد :
يا دارُ غَيَّرها البِلَى تَغْييرَا...
قال النحاس : وفي هذا إبطال باب النداء أو أكثره ؛ لأنه يرفع النكرة المحضة، ويرفع ما هو بمنزلة المضاف في طوله، وبحذف التنوين متوسطاً، ويرفع ما هو في المعنى مفعول بغير علة أوجبت ذلك.
فأما ما حكاه عن العرب فلا يشبه ما أجازه ؛ لأن تقدير يا مُهْتَمُّ بأمرنا لا تهتم على التقديم والتأخير، والمعنى : يا أيها المهتم لا تهتم بأمرنا.
وتقدير البيت : يأيتها الدار، ثم حوّل المخاطبة ؛ أي يا هؤلاء غيّر هذه الدار البلى ؛ كما قال الله جل وعز :﴿ حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم ﴾ [ يونس : ٢٢ ].
ف"حسرة" منصوب على النداء ؛ كما تقول يا رجلاً أقبل، ومعنى النداء : هذا موضع حضور الحسرة.
الطبري : المعنى يا حسرة من العباد على أنفسهم وتندُّماً وتلهُّفاً في استهزائهم برسل الله عليهم السلام.
ابن عباس :"يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ" أي يا ويلا على العباد.
وعنه أيضاً : حلّ هؤلاء محلّ من يتحسر عليهم.
وروى الربيع عن أنس عن أبي العالية أن العباد هاهنا الرسل ؛ وذلك أن الكفار لما رأوا العذاب قالوا :"يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ" فتحسروا على قتلهم، وترك الإيمان بهم ؛ فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم الإيمان ؛ وقاله مجاهد.
وقال الضحاك : إنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل.
وقيل :"يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ" من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، لما وثب القوم لقتله.
وقيل : إن الرسل الثلاثة هم الذين قالوا لما قتل القوم ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، وحلَّ بالقوم العذاب : يا حسرة على هؤلاء، كأنهم تمنوا أن يكونوا قد آمنوا.


الصفحة التالية
Icon