﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون ﴾ الضمير لأهل مكة والاستفهام للتقرير وكم خبرية في موضع نصب بأهلكنا و﴿ مّنَ القرون ﴾ بيان لكم، وجوز بعض المتأخرين كون ﴿ كَمْ ﴾ مبتدأ والجملة بعده خبره وهو كلام من لا خبر عنده والجملة معمولة ليروا نافذ معناها فيها و﴿ كَمْ ﴾ معلقة لها عن العمل في اللفظ لأنها وإن كانت خبرية لها صدر الكلام كالاستفهامية فلا يعمل فيها عامل متقدم على اللغة الفصيحة إلا إذا كان حرف جر أو اسماً مضافاً نحو على كم فقير تصدقت أرجو الثواب وابن كم رئيس صحبته.
وحكى الأخفش على ما في الحبر جواز تقدم عامل عليها غير ذلك عن بعضهم نحو ملكت كم غلام أي ملكت كثيراً من الغلمان عاملوها معاملة كثير ؛ والرؤية علمية لا بصرية خلافاً لابن عطية لأنها لا تعلق على المشهور ولأن أهل مكة لم يحضروا إهلاك من قبلهم حتى يروه بل علموه بالأخبار ومشاهدة الآثار، والقرون جمع قرن وهم القوم المقترنون في زمن واحد كعاد وثمود وغيرهم ﴿ أَنَّهُمْ ﴾ الضمير عائد على معنى ﴿ كَمْ ﴾ وهي القرون أي إن القرون المهلكين ﴿ إِلَيْهِمُ ﴾ أي إلى أهل مكة ﴿ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ وأن وما بعدها في تأويل المفرد بدل من جلمة ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا ﴾ على المعنى كما نقل عن سيبويه وتبعه الزجاج أي ألم يروا كثرة اهلاكنا من قبلهم وكونهم غير راجعين إليهم.
وقيل على المعنى لأن الكثرة المذكورة وعدم الرجوع ليس بينهما اتحاد بجزئية ولا كلية ولا ملابسة كما هو مقتضى البدلية لكن لما كان ذلك في معنى الذين أهلكناهم وأنهم لا يرجعون بمعنى غير راجعين اتضح فيه البدلية على أنه بدل اشتمال أو بدل كل من كل قاله الخفاجي : وأفاد صاحب الكشف على أنه من بدل الكل بجعل كونهم غير راجعين كثرة اهلاك تجوزا، وعندي أن هذا الوجه وإن لم يكن فيه إبدال مغرد من جملة وتحقق فيه مصحح البدلية على ما مسعت ولا يخلو عن تكلف، وسيبويه ليس بنبي النحو ليجب اتباعه.


الصفحة التالية
Icon