إشارة إلى أنهم يبخلون بجميع ما على المكلف، وذلك لأن الملكف عليه التعظيم لجانب الله والشفقة على خلق الله وهم تركوا التعظيم حيث قيل لهم ﴿اتقوا﴾ فلم يتقوا وتركوا الشفقة على خلق الله حيث قيل لهم :﴿أَنفِقُواْ﴾ فلم ينفقوا وفيه لطائف الأولى خوطبوا بأدنى الدرجات في التعظيم والشفقة فلم يأتوا بشيء منه وعباد الله المخلصون خوطبوا بالأدنى فأتوا بالأعلى إنما قلنا ذلك لأنهم في التقوى أمروا بأن يتقوا ما بين أيديهم من العذاب أو الآخرة وما خلفهم من الموت أو العذاب وهو أدنى ما يكون من الاتقاء، وأما الخاص فيتقي تغيير قلب الملك عليه وإن لم يعاقبه ومتقى العذاب لا يكون إلا للبعيد، فهم لم يتقوا معصية الله ولم يتقوا عذاب الله، والمخلصون اتقوا الله واجتنبوا مخالفته سواء كان يعقابهم عليه أو لا يعاقبهم، وأما في الشفقة فقيل لهم :﴿أَنفِقُواْ مِمَّا﴾ أي بعض ما هو لله في أيديكم فلم ينفقوا، والمخلصون آثروا على أنفسهم وبذلوا كل ما في أيديهم، بل أنفسهم صرفوها إلى نفع عباد الله ودفع الضرر عنهم الثانية : كما أن في جانب التعظيم ما كان فائدة التعظيم راجعة إلا إليهم فإن الله مستغن عن تعظيمهم كذلك في جانب الشفقة ما كان فائدة الشفقة راجعة إلا إليهم، فإن من لا يرزقه المتمول لا يموت إلا بأجله ولا بد من وصول رزقه إليه، لكن السعيد من قدر الله إيصال الرزق على يده إلى غيره الثالثة : قوله :﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ﴾ إشارة إلى أمرين أحدهما : أن البخل به في غاية القبح فإن أبخل البخلاء من يخبل بمال الغير وثانيهما : أنه لا ينبغي أن يمنعكم من ذلك مخافة الفقر فإن الله رزقكم فإذا أنفقتم فهو يخلفه لكم ثانياً كما رزقكم أولاً وفيه مسائل أيضاً :
المسألة الأولى :