البحث الثالث : وصف الضلال بالمبين قد ذكرنا معناه أنه لظهوره يبين نفسه أنه ضلال أي في ضلال لا يخفى على أحد أنه ضلال.
البحث الرابع : قد ذكرنا أن قوله :﴿فِي ضلال﴾ يفيد كونه مغمورين فيه غائصين، وقوله في مواضع ﴿على بَيّنَةٍ﴾ [ الأنعام : ٥٧ ] و ﴿على هُدًى﴾ [ البقرة : ٥ ] إشارة إلى كونهم راكبين متن الطريق المستقيم قادرين عليه.
وأما المعنوية : فهي أنهم إنما وصفوا الذين آمنوا بكونهم في ضلال مبين لكونهم ظانين أن المؤمن كلامه متناقض ومن تناقض كلامه يكون في غاية الضلال، إنما قلنا ذلك لأنهم قالوا :﴿أَنُطْعِمُ لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ﴾ إشارة إلى أن الله إن شاء أن يطعمهم كان يطعمهم فلا تقدر على إطعامهم لأنه يكون تحصيلاً للحاصل، وإن لم يشأ الله إطعامهم لا يقدر أحد على إطعامهم لامتناع وقوع ما لم يشأ الله فلا قدرة لنا على الإطعام، فكيف تأمرونا بالإطعام ووجه آخر : وهو أنهم قالوا أراد الله تجويعهم فلو أطعمناهم يكون ذلك سعياً في إبطال فعل الله وأنه لا يجوز وأنتم تقولون أطعموهم فهو ضلال ولم يكن في الضلال إلا هم حيث نظروا إلى المراد ولم ينظروا إلى الطلب والأمر، وذلك لأن العبد إذا أمره السيد بأمر لا ينبغي أن يكشف سبب الأمر والإطلاع على المقصود الذي أمر به لأجله.
مثاله : الملك إذا أراد الركوب للهجوم على عدوه بحيث لا يطلع عليه أحد وقال لعبده أحضر المركوب، فلو تطلع واستكشف المقصود الذي لأجله الركوب لنسب إلى أنه يريد أن يطلع عدوه على الحذر منه وكشف سره، فالأدب في الطاعة وهو اتباع الأمر لا تتبع المراد، فالله تعالى إذا قال : أنفقوا مما رزقكم لا يجوز أن يقولوا : لم لم يطعمهم الله مما في خزائنه.
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨)


الصفحة التالية
Icon