وقوله :﴿فِي شُغُلٍ﴾ يحتمل وجوهاً : أحدهما : في شغل عن هول اليوم بأخذ ما آتاهم الله من الثواب، فما عندهم خبر من عذاب ولا حساب، وقوله :﴿فاكهون﴾ يكون متمماً لبيان سلامتهم فالله لو قال : في شغل جاز أن يقال هم في شغل عظم من التفكر في اليوم وأهواله، فإن من يصيبه فتنة عظيمة ثم يعرض عليه أمر من أموره ويخبر بخسران وقع في ماله، يقول أنا مشغول عن هذا بأهم منه، فقال :﴿فاكهون﴾ أي شغلوا عنه باللذة والسرور لا بالويل والثبور وثانيها : أن يكون ذلك بياناً لحالهم ولا يريد أنهم شغلوا عن شيء بل يكون معناه هم في عمل، ثم بين عملهم بأنه ليس بشاق، بل هو ملذ محبوب وثالثها : في شغل عما توقعوه فإنهم تصوروا في الدنيا أموراً وقالوا نحن إذا دخلنا الجنة لا نطلب إلا كذا وكذا، فرأوا ما لم يخطر ببالهم فاشتغلوا به، وفيه وجوه : غير هذه ضعيفة أحدها : قيل افتضاض الأبكار وهذا ما ذكرناه في الوجه الثالث أن الإنسان قد يترجح في نظره الآن مداعبة الكواعب فيقول في الجنة ألتذ بها، ثم إن الله ربما يأتيه ما يشغله عنها وثانيها قيل في ضرب الأوتار وهو من قبيل ما ذكرناه توهم وثالثها في التزاور ورابعها : في ضيافة الله وهو قريب مما قلنا لأن ضيافة الله تكون بألذ ما يمكن وحينئذ تشغله تلك عما توهمه في دنياه وقوله :﴿فاكهون﴾ خبر إن، و ﴿فِي شُغُلٍ﴾ بيان ما فكاهتهم فيه يقال زيد على عمله مقبل، وفي بيته جالس فلا يكون الجار والمجرور خبراً ولو نصبت جالساً لكان الجار والمجرور خبراً.
وكذلك لو قال في شغل فاكهين لكان معناه أصحاب الجنة مشغولون فاكهين على الحال وقرىء بالنصب والفاكه الملتذ المتنعم به ومنه الفاكهة لأنها لا تكون في السعة إلا للذة فلا تؤكل لدفع ألم الجوع، وفيه معنى لطيف.
وهو أنه أشار بقوله :﴿فِي شُغُلٍ﴾ عن عدمهم الألم فلا ألم عندهم، ثم بين بقوله :﴿فاكهون﴾ عن وجدانهم اللذة وعادم الألم قد لا يكون واجداً للذة.