لأن الطلب من الله أيضاً فيه لذة فلو قطع الله الأسباب بينهم وبينه لما كان يطيب لهم فأبقى أشياء يعطيهم إياها عند الطلب ليكون لهم عند الطلب لذة وعند العطاء، فإن كون المملوك بحيث يتمكن من أن يخاطب الملك في حوائجه منصب عظيم، والملك الجبار قد يدفع حوائج المماليك بأسرها قصداً منه لئلا يخاطب الثاني : ما يدعون ما يتداعون وحينئذ يكون افتعالا بمعنى التفاعل كالاقتتال بمعنى التقاتل، ومعناه ما ذكرناه أن كل ما يصح أن يدعو أحد صاحبه إليه أو يطلبه أحد من صاحبه فهو حاصل لهم الثالث : ما يتمنونه الرابع : بمعنى الدعوى ومعناه حينئذ أنهم كانوا يدعون في الدنيا أن لهم الله وهو مولاهم وأن الكافرين لا مولى لهم.
فقال لهم في الجنة ما يدعون به في الدنيا، فتكون الحكاية محكية في الدنيا، كأنه يقول في يومنا هذا لكن أيها المؤمنون غداً ما تدعون اليوم، لا يقال بأن قوله :﴿إِنَّ أصحاب الجنة اليوم فِي شُغُلٍ فاكهون * هُمْ وأزواجهم فِي ظلال﴾ يدل على أن القول يوم القيامة لأنا نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن قوله :﴿هُمْ﴾ مبتدأ ﴿وأزواجهم﴾ عطف عليهم فيحتمل أن يكون هذا الكلام في يومنا هذا يخبرنا أن المؤمن وأزواجه في ظلال غداً وله ما يدعيه والجواب الثاني : وهو أولى هو أن نقول : معناه لهم ما يدعون أي ما كانوا يدعون.
لا يقال بأنه إضمار حيث لا ضرورة وإنه غير جائز لأنا نقول على ما ذكرنا يبقى الادعاء مستعملا في معناه المشهور لأن الدعاء هو الإتيان بالدعوى وإنما قلنا إن هذا أولى لأن قوله :﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ﴾ [ يس : ٥٨ ] هو في دار الآخرة وهو كالتفسير لقوله :﴿مَّا يَدَّعُونَ﴾ ولأن قوله :﴿مَّا يَدَّعُونَ﴾ مذكور بين جمل كلها في الآخرة فما يدعون أيضاً ينبغي أن يكون في الآخرة وفي الآخرة لا يبقى دعوى وبينة لظهور الأمور والفصل بين أهل الثبور والحبور.
سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨)