ولما تمت الدلالة على أمر الرسول ـ ﷺ ـ، وتضمنت أن الشعر - وهو تعمد صوغ الكلام على وزن معلوم وقافية ملتزمة - نقيصة لما ذكر ولما يلزمه التقيد بالوزن والروي والقافية من التقديم والتأخير والتحويم على المعاني من غير إفصاح ولا تبيين فيصير عسر الفهم مستعصي البيان، ونفى عنه ـ ﷺ ـ تلك النقيصة، فتضمن ذلك تنزيه ما أنزل عليه عنها - كما أشارت إليه نون العظمة في " علمنا " - أثبت له ما ينبغي له فقال كالتعليل لما قبله :﴿إن﴾ أي ما ﴿هو﴾ أي هذا الذي أتاكم به ﴿إلا ذكر﴾ أي شرف وموعظة ﴿وقرآن﴾ أي جامع للحكم كلها دنيا وأخرى يتلى في المحاريب ويكرر في المتعبدات، وينال بتلاوته والعمل به فوز الدارين مع الفصل بين الملبسات ﴿مبين﴾ أي ظاهر في ذلك مطلق لكل ما فيه لمن يرومه حق رومه، ويسومه بأغلى سومه، بعد أن يشترط في مطلق فهمه ومجرد اللذة به الذكي والغبي والحديد والبليد، وليس هو بشعر متكلف يتقدم فيه - بحكم التزام الوزن والروي والقافية - الشيء عن حاق موضعه تارة ويتأخر أخرى، ويبدل بما لا يساويه فتنقص معانيه وتنعقد فتشكل فلا يفهمه إلا ذاك وذاك مع أنه من همزات الشياطين فيا بعد ما بينهما، ويبين هذا المعنى غاية البيان آخر " ص " ﴿قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين﴾ ﴿إن هو إلا ذكر للعالمين﴾ أي كلهم ذكيهم وغبيهم بخلاف الشعر فإنه مع نزوله عن بلاغته جداً إنما هو ذكر للأذكياء جداً.
ولما ذكر أمر الرسول ـ ﷺ ـ فيما آتاه من غرائز الشرف في سن النكس لغيره، ذكر علة ذلك فقال :﴿لينذر﴾ أي الرسول ـ ﷺ ـ بدليل ما دل عليه السياق من التقدير، ويؤيده لفت الكلام في قراءة نافع وابن عامر ويعقوب بالخطاب إشارة إلى أنه لا يفهمه حق فهمه غيره ـ ﷺ ـ.


الصفحة التالية