وأما الشعر : فكانوا ينسبونه إليه عندما كان يتلوا القرآن عليهم لكنه ﷺ ما كان يتحدى إلا بالقرآن، كما قال تعالى :﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ﴾ [ البقرة : ٢٣ ] إلى غير ذلك، ولم يقل إن كنتم في شك من رسالتي فأنطقوا الجذوع أو أشبعوا الخلق العظيم أو أخبروا بالغيوب، فلما كان تحديه ﷺ بالكلام وكانوا ينسبونه إلى الشعر عند الكلام خص الشعر بنفي التعليم.
البحث الثاني : ما معنى قوله :﴿وَمَا يَنبَغِي لَهُ﴾ قلنا : قال قوم ما كان يتأتى له، وآخرون ما يتسهل له حتى أنه إن تمثل بيت شعر سمع منه مزاحفاً يروى أنه كان يقول ﷺ :" ويأتيك من لم تزود بالأخبار ".
وفيه وجه أحسن من ذلك وهو أن يحمل ما ينبغي له على مفهومه الظاهر وهو أن الشعر ما كان يليق به ولا يصلح له، وذلك لأن الشعر يدعو إلى تغيير المعنى لمراعاة اللفظ والوزن، فالشارع يكون اللفظ منه تبعاً للمعنى، والشاعر : يكون المعنى منه تبعاً للفظ، لأنه يقصد لفظاً به يصح وزن الشعر أو قافيته فيحتاج إلى التحيل لمعنى يأتي به لأجل ذلك اللفظ، وعلى هذا نقول : الشعر هو الكلام الموزون الذي قصد إلى وزنه قصداً أولياً، وأما من يقصد المعنى فيصدر موزوناً مقفى فلا يكون شاعراً، ألا ترى إلى قوله تعالى :
﴿لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [ آل عمران : ٩٢ ] ليس بشعر، والشاعر إذا صدر منه كلام فيه متحركات وساكنات بعدد ما في الآية تقطيعه بفاعلاتن فاعلاتن يكون شعراً لأنه قصد الإتيان بألفاظ حروفها متحركة وساكنة كذلك والمعنى تبعه، والحكيم قصد المعنى فجاء على تلك الألفاظ، وعلى هذا يحصل الجواب عن قول من يقول : إن النبي ﷺ ذكر بيت شعر وهو قوله :
أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب