وثانيهما : أن يكون المراد أن القرآن ينذر والأول أقرب إلى المعنى والثاني : أقرب إلى اللفظ، أما الأول : فلأن المنذر صفة للرسل أكثر وروداً من المنذر صفة للكتب وأما الثاني : فلأن القرآن أقرب المذكورين إلى قوله :﴿لّيُنذِرَ﴾ وقوله :﴿مَن كَانَ حَيّاً﴾ أي : من كان حي القلب، ويحتمل وجهين أحدهما : أن يكون المراد من كان حياً في علم الله فينذره به فيؤمن الثاني : أن يكون المراد لينذر به من كان حياً في نفس الأمر، أي من آمن فينذره بما على المعاصي من العقاب وبما على الطاعة من الثواب ﴿وَيَحِقَّ القول عَلَى الكافرين﴾ أما قول العذاب وكلمته كما قال تعالى :﴿ولكن حَقَّ القول مِنْي لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ﴾ [ السجدة : ١٣ ] وقوله تعالى :﴿حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب﴾ [ الزمر : ٧١ ] وذلك لأن الله تعالى قال :﴿وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [ الإسراء : ١٥ ] فإذا جاء حق التعذيب على من وجد منه التكذيب، وأما القول المقول في الوحدانية والرسالة والحشر وسائر المسائل الأصولية الدينية فإن القرآن فيه ذكر الدلائل التي بها تثبت المطالب.
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١)
ثم إنه تعالى أعاد الوحدانية ودلائل دالة عليها فقال تعالى :﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أنعاما﴾ أي من جملة ما عملت أيدينا أي ما عملناه من غير معين ولا ظهير بل عملناه بقدرتنا وإرادتنا.
وقوله تعالى :﴿فَهُمْ لَهَا مالكون﴾ إشارة إلى إتمام الإنعام في خلق الأنعام، فإنه تعالى لو خلقها ولم يملكها الإنسان ما كان ينتفع بها.


الصفحة التالية
Icon