" لو لم تذنبوا لخلقت أقواماً يذنبون ويستغفرون فأغفر لهم " وههنا لطيفة : وهي أن الشيطان قد يرجع عن عبد من عباد الله فرحاً فيظن أنه قد حصل مقصوده من الإغواء حيث يرى ذلك العبد ارتكب الذنب ظاهراً ويكون ذلك رافعاً لدرجة العبد، فإن بالذنب ينكسر قلب العبد فيتخلص من الإعجاب فنفسه وعبادته، ويصير أقرب من المقربين، لأن من يذنب مقرب عند الله كما قال تعالى :﴿لَّهُمْ درجات عِندَ رَبّهِمْ﴾ [ الأنفال : ٤ ] والمذنب التائب النادم منكسر القلب والله عنده كما قال ﷺ حاكياً عن ربه " أنا عند المنكسرة قلوبهم " وفرق بين من يكون عند الله، وبين من يكون عنده الله، ولعل ما يحكى من الذنوب الصادرة عن الأنبياء من هذا القبيل لتحصل لهم الفضيلة على الملائكة حيث تبجحوا بأنفسهم بقولهم :﴿وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] وقد يرجع الشيطان عن آخر يكون قد أمره بشيء فلم يفعله والشخص يظن أنه غلب الشيطان ورده خائباً فيتبجح في نفسه وهو لا يعلم أن الشيطان رجح عنه محصل المقصود مقبولاً غير مردود.
ومن هذا يتبين أمر أصولي وهو أن الناس اختلفوا في أن المذنب هل يخرج من الإيمان أم لا ؟ وسبب النزاع وقوع نظر الخصمين على أمرين متباينين فالذنب الذي بالجسد لا بالقلب لا يخرج بل قد يزيد في الإيمان والذي بالقلب يخاف منه الخروج عن ربقة الإيمان ولذلك اختلفوا في عصمة الأنبياء من الذنوب، والأشبه أن الجسدي جائز عليهم والقرآن دليل عليه، والقلبي لا يجوز عليهم، ثم إنه تعالى لما نهى عباده عن عبادة الشيطان ذكر ما يحملهم على قبول ما أمروا به والانتهاء عما نهوا عنه بقوله :﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon