عند المنع من عبادة الشيطان قال :﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ [ يس : ٦٠ ] لأن العداوة أبلغ الموانع من الاتباع، وعند الأمر بعبادة الرحمن لم يقل إنه لكم حبيب لأن المحبة لا توجب متابعة المحبوب بل ربما يورث ذلك الاتكال على المحبة.
فيقول إنه يحبني فلا حاجة إلى تحمل المشقة في تحصيل مراضيه، بل ذكر ما هو أبلغ الأشياء في الحمل على العبادة وذلك كونه طريقاً مستقيماً، وذلك لأن الإنسان في دار الدنيا في منزل قفر مخوف وهو متوجه إلى دار إقامة فيها إخوانه، والنازل في بادية خالية يخاف على روحه وماله ولا يكون عنده شيء أحب من طريق قريب آمن، فلما قال الله تعالى :﴿هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ﴾ كان ذلك سبباً حاثاً على السلوك، وفي ضمن قوله تعالى :﴿هَذَا صراط﴾ إشارة إلى أن الإنسان مجتاز لأنه لو كان في دار إقامة فقوله :﴿هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ﴾ لا يكون له معنى لأن المقيم يقول وماذا أفعل بالطريق وأنا من المقيمين.
المسألة الثانية :
ماذا يدل على كونه طريقاً مستقيماً ؟ نقول الإنسان مسافر إما مسافرة راجع إلى وطنه، وإما مسافرة تاجر له متاع يتجر فيه، وعلى الوجهين فالله هو المقصد، وأما الوطن فلأنه لا يوطن في مأمن ولا أمن إلا بملك لا يزول ملكه لأن عند زوال ملك الملوك لا يبقى الأمن والراحة، والله سبحانه هو الذي ملكه دائم وكل ما عداه فهو فإن، وأما التجارة فلأن التاجر لا يقصد إلا إلى موضع يسمع أو يعلم أن لمتاعه هناك رواجاً، والله تعالى يقول إن العمل الصالح عنده مثاب عليه مقابل بأضعاف ما يستحق، والله هو المقصد، وعبادته توجه إليه، ولا شك أن القاصد لجهة إذا توجه إليها يكون على الطريق المستقيم.
المسألة الثالثة :