العبادة تنبىء عن معنى التذلل، فلما قال لا تعبدوا الشيطان لزم أن يتكبر الإنسان على ما سوى الله ولما قال :﴿وَأَنِ اعبدونى﴾ ينبغي أن لا يتكبر على الله لكن التكبر على ما سوى الله ليس معناه أن يرى نفسه خيراً من غيره، فإن نفسه من جملة ما سوى الله، فينبغي أن لا يلتفت إليها ولو كانت متجملة بعبادة الله، بل معنى التكبر على ما سوى الله أن لا ينقاد لشيء إلا بإذن الله وفي هذا التكبر غاية التواضع فإنه حينئذ لا ينقاد إلى نفسه وحظ نفسه في التفوق على غيره فلا يتفوق فيحصل التواضع التام ولا ينقاد لأمر الملوك إذا خالفوا أمر الله فيحصل التكبر التام فيرى نفسه بهذا التكبر دون الفقير وفوق الأمير.
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢)
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
في الجبل ست لغات كسر الجيم والباء مع تشديد اللام وضمهما مع التشديد وكسرهما مع التخفيف وضمهما معه وتسكين الباء وتخفيف اللام مع ضم الجيم ومع كسره.
المسألة الثانية :
في معنى الجبل الجيم والباء واللام لا تخلو عن معنى الاجتماع والجبل فيه اجتماع الأجسام الكثيرة، وجبل الطين فيه اجتماع أجزاء الماء والتراب، وشاة لجباء إذا كانت مجتمعة اللبن الكثير، لا يقال البلجة نقض على ما ذكرتم فإنها تنبىء عن التفرق فإن الأبلج خلاف المقرون لأنا نقول هي لاجتماع الأماكن الخالية التي تسع المتمكنات، فإن البلجة والبلدة بمعنى والبلد سمي بلداً للاجتماع لا للتفرق، فالجبل الجمع العظيم حتى قيل إن دون العشرة آلاف لا يكون جبلاً وإن لم يكن صحيحاً.
والمسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon