كيف الإضلال ؟ نقول على وجهين : أحدهما : أن الإضلال توليه عن المقصد وصد عنه فالشيطان يأمر البعض بترك عبادة الله وبعبادة غيره فهو توليه فإن لم يقدر يأمره بعبادة الله لأمر غير الله من رياسة وجاه غيرهما فهو صد، وهو يفضي إلى التولية لأن مقصوده لو حصل لترك الله وأقبل على ذلك الغير فتحصل التولية.
هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣)
وحال الضال كحال شخص خرج من وطنه مخافة عدوه فوقع في مشقة ولو أقام في وطنه لعل ذلك العدو كان لا يظفر به أو يرحمه، كذلك حال من لم يتحرك لطاعة ولا عصيان كالمجانين وحال من استعمل عقله فأخطأ الطريق، فإن المجنون من أهل النجاة وإن لم يكن من أهل الدرجات، وقد قيل بأن البلاهة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء، وذلك ظاهر في المحسوس فإن من لم يعرف الطريق إذا أقام بمكانه لا يبعد عن الطريق كثيراً ومن سار إلى خلاف المقصد يبعد عنه كثيراً.
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤)
وفي هذا الكلام ما يوجب شدة ندامتهم وحسرتهم من ثلاثة أوجه أحدها : قوله تعالى :﴿اصلوها﴾ فإنه أمر تنكيل وإهانة كقوله :﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم﴾ [ الدخان : ٤٩ ]، والثاني : قوله :﴿اليوم﴾ يعني العذاب حاضر ولذاتك قد مضت وأيامها قد انقضت وبقي اليوم العذاب الثالث : وقوله تعالى :﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ فإن الكفر والكفران ينبىء عن نعمة كانت يكفر بها وحياء الكفور من المنعم من أشد الآلام.
ولهذا كثيراً ما يقول العبد المجرم افعلوا بي ما يأمر به السيد ولا تحضروني بين يديه وإلى هذا المعنى أشار القائل :
أليس بكاف لذي نعمة.. حياء المسيء من المحسن. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٦ صـ ٨٤ ـ ٨٩﴾


الصفحة التالية
Icon