وقال أبو السعود :
﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بنى آدَم أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان ﴾
من جُملة ما يُقال لهم بطريق التَّقريعِ والإلزام والتَّبكيتِ بين الأمر بالامتياز وبين الأمر بدخول جهنَّمَ بقوله تعالى :﴿ اصلوها اليوم ﴾ الخ والعهد هو الوصَّيةُ والتَّقدُّمُ بأمر فيه خير ومنفعة والمراد ههنا ما كلَّفهم الله تعالى على ألسنةِ الرُّسلِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ من الأوامرِ والنَّواهي التي من جُملتِها قوله تعالى :﴿ يَذَّكَّرُونَ يا بنى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الجنة ﴾ الآيةَ وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ وغيرهما من الآياتِ الكريمةِ الواردة في هَذا المعنى، وقيل : هو الميثافُ المأخوذُ عليهم حين أُخرجوا من ظهور بني آدمَ وأُشهدوا على أنفسهم وقيل : هو ما نُصب لهم من الحُجج العقليَّةِ والسمعيَّةِ الآمرةِ بعبادته تعالى الزَّاجرةِ عن عبادة غيرِه. والمرادُ بعبادة الشَّيطانِ طاعتُه فيما يُوسوس به إليهم ويزيِّنه لهم، عبرَّ عنها بالعبادة لزيادة التَّحذيرِ والتَّنفيرِ عنها ولوقوعها في مقابلة عبادته عزَّ وجلَّ. وقُرىء إِعهد بكسرِ الهمزة، وأعهِد بكسر الهاء، وأحهد بالحاءِ مكان العين، وأحد بالإدغامِ وهي لغةُ بني تميمٍ ﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ أي ظاهرُ العداوةِ وهو تعليل لوجوب الانتهاء عن المنهيِّ عنه وقيل تعليل للنَّهيِ.