وهنا ينفي الله سبحانه أنه علم الرسول الشعر. وإذا كان الله لم يعلمه فلن يعلم. فما يعلم أحد شيئاً إلا ما يعلمه الله..
ثم ينفي لياقة الشعر بالرسول ﷺ :﴿ وما ينبغي له ﴾ فللشعر منهج غير منهج النبوة. الشعر انفعال. وتعبير عن هذا الانفعال. والانفعال يتقلب من حال إلى حال. والنبوة وحي. على منهج ثابت. على صراط مستقيم. يتبع ناموس الله الثابت الذي يحكم الوجود كله. ولا يتبدل ولا يتقلب مع الأهواء الطارئة، تقلب الشعر مع الانفعالات المتجددة التي لا تثبت على حال.
والنبوة اتصال دائم بالله، وتلق مباشر عن وحي الله، ومحاولة دائمة لرد الحياة إلى الله. بينما الشعر في أعلى صوره أشواق إنسانية إلى الجمال والكمال مشوبة بقصور الإنسان وتصوراته المحدودة بحدود مداركه واستعداداته.
فأما حين يهبط عن صوره العالية فهو انفعالات ونزوات قد تهبط حتى تكون صراخ جسد، وفورة لحم ودم! فطبيعة النبوة وطبيعة الشعر مختلفتان من الأساس هذه في أعلى صورها أشواق تصعد من الأرض. وتلك في صميمها هداية تتنزل من السماء..
﴿ إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ﴾..
ذكر وقرآن.. وهما صفتان لشيء واحد. ذكر بحسب وظيفته. وقرآن بحسب تلاوته. فهو ذكر لله يشتغل به القلب، وهو قرآن يتلى ويشتغل به اللسان. وهو منزل ليؤدي وظيفة محددة :
﴿ لينذر من كان حياً، ويحق القول على الكافرين ﴾..
ويضع التعبير القرآني الكفر في مقابل الحياة. فيجعل الكفر موتاً، ويجعل استعداد القلب للإيمان حياة. ويبين وظيفة هذا القرآن بأنه نزل على الرسول ﷺ لينذر من به حياة. فيجدي فيهم الإنذار، فأما الكافروين فهم موتى لا يسمعون النذير ؛ وظيفة القرآن بالقياس إليهم هي تسجيل الاستحقاق للعذاب، فإن الله لا يعذب أحداً حتى تبلغه الرسالة ثم يكفر عن بينة ويهلك بلا حجة ولا معذرة!


الصفحة التالية
Icon