ويحتمل أن يقال : إنهم اليوم أي في الدنيا ف شغل بأنواع الطاعات والعبادات من طلب الحق والشوق إلى لقائه كما يحكى عن يحيى بن معاذ أنه قال : رايت رب العزة في منامي فقال لي : ابن معاذ، كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد فإنه يطلبني. ويمكن أن يقال : إنهم اليوم في الدنيا في شغل بالطاعات والرضا بما قسم الله عن طلب اللذات والفوائد وارتكاب المحرمات والزوائد. أو يقال : إنه خطاب للعصاة فإن أهل الله هم المستغرقون في بحار عظمة الله، وأهل الجنة مشتغلون باستيفاء اللذات وليس العصاة إلا رحمتي وكرمي كما قال ﴿ يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾ [ الزمر : ٥٣ ] ﴿ وتشهد أرجلهم ﴾ في بعض الأخبار المروية أن عبداً لتشهد عليه أعضاؤه بالذلة فتتطاير شعرة من جفن عينه فتستأذن بالشهادة له فيقول الحق تعالى : تكلمي يا شعرة جفن عين عبدي واحتجي عن عبدي. فتشهد له بالبكاء من خوفه فيغفر له وينادي مناد : هذا عتيق الله بشعرة. ﴿ ومن نعمره ننكسه ﴾ إن السالك إذا عمر صار في آخر الأمر إلى الفناء في الله حتى لا يبقى منه ما يستند الفعل إليه. وفي قوله ﴿ وما علمناه الشعر ﴾ إشارة إلى أن العلوم والصنائع كلها من الله تعالى وبتعليمه وإلهامه. ﴿ من الشجر الأخضر ﴾ وهو شجرة البشرية نار المحبة ﴿ توقدون ﴾ مصباح قلوبكم. وإنما قال النبي ﷺ " إن قلب القرآن يس " لأن ذكره ﷺ رمز إليه في أول السورة وفي آخرها. أما الأول فقد مر في تفسير لفظ ﴿ يس ﴾ وأما الثاني فلأن قوله ﴿ فسبحان ﴾ إلى آخره يدل على المبدأ والمعاد تصريحاً، وعلى الرسالة ضمناً، ولا ريب أن القلب خلاصة كل ذي قلب، وإنه ﷺ كان خلاصة المخلوقات وكان خلقه القرآن الذي نزل على قلبه، وكأن فاتحة السورة وخاتمتها مبنية على ذكره منبئة عن سره كالقلب في جوف صاحبه فلأجل هذه المناسبات أطلق على ﴿ يس ﴾ أنه قلب القرآن والله ورسوله أعلم بأسرار كلامه. أ هـ ﴿غرائب القرآن حـ ٥ صـ ٥٤٩﴾