البحث الثالث : قالت المعتزلة والكرامية كلام الله حرف وصوت وحادث لأن قوله :﴿كُن﴾ كلام ﴿وَكُنْ﴾ من حرفين، والحرف من الصوت، ويلزم من هذا أن كلامه من الحروف والأصوات، وأما أنه حادث فلما تقدم من الوجهين أحدهما : أنه زماني والثاني : أنه متصل بالكون والكون حادث، والجواب يعلم مما ذكرنا، وذلك لأن الكلام صفة إذا تعلقت بشيء تقول قال ويقول فتعلق الخطاب حادث والكلام قديم فقوله تعالى :﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ فيه تعلق وإضافة لأن قوله تعالى :﴿يَقُولُ لَهُ﴾ باللام للإضافة صريح في التعلق ونحن نقول إن قوله للشيء الحادث حادث لأنه مع التعلق، وإنما القديم قوله وكلامه لا مع التعلق وكل قديم وحادث إذا نظرت إلى مجموعهما لا تجدهما في الأزل وإنما تجدهما جميعاً فيما لا يزال فله معنى الحدوث ولكن الإطلاق موهم، فتفكر جداً ولا تقل المجموع حادث من غير بيان مرادك، فإن ذلك قد يفهم منه أن الجميع حادث، بل حقق الإشارة وجود العبارة وقل أحد طرفي المجموع قديم والآخر حادث ولم يكن الآخر معه في الأزل، وأما قوله :﴿كُن﴾ من الحروف، نقول الكلام يطلق على معنيين أحدهما : ما عند المتكلم والثاني : ما عند السامع، ثم إن أحدهما يطلق عليه أنه هو الآخر ومن هذا يظهر فوائد.


الصفحة التالية