أما بيان ما ذكرناه، فلأن الإنسان إذا قال لغيره عندي كلام أريد أن أقوله لك غداً، ثم إن السامع أتاه غداً وسأله عن الكلام لذي كان عنده أمس، فيقول له : إني أريد أن تحضر عندي اليوم، فهذا الكلام أطلق عليه المتكلم أنه كان عندك أمس ولم يكن عند السامع، ثم حصل عند السامع بحرف وصوت ويطلق عليه أن هذا الذي سمعت هو الذي كان عندي، ويعلم كل عاقل أن الصوت لم يكن عند المتكلم أمس ولا الحرف، لأن الكلام الذي عنده جاز أن يذكره بالعربي فيكون له حروف، وجاز أن يذكره بالفارسية فيكون له حروف أخر، والكلام الذي عنده ووعد به واحد والحروف مختلفة كثيرة، فإذاً معنى قوله هذا ما كان عندي، هو أن هذا يؤدي إليك ما كان عندي، وهذا أيضاً مجاز، لأن الذي عنده ما انتقل إليه، وإنما علم ذلك وحصل عنده به علم مستفاد من السمع أو البصر في القراءة والكتابة أو الإشارة، إذا علمت هذا فالكلام الذي عند الله وصفة له ليس بحرف على ما بان، والذي يحصل عند السامع حرف وصوت وأحدهما الآخر لما ذكرنا من المعنى وتوسع الإطلاق، فإذا قال تعالى :( يقول له ) حصل قائل وسامع.
فاعتبرها من جانب السامع لكون وجود الفعل من السامع لذلك القول فعبر عنه بالكاف والنون الذي يحدث عند السامع ويحدث به المطلوب.
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)