لما تقررت الوحدانية والإعادة وأنكروها وقالوا : بأن غير الله آلهة، قال تعالى وتنزه عن الشريك :﴿الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَيْءٍ﴾ وكل شيء ملكه فكيف يكون المملوك للمالك شريكاً، وقالوا : بأن الإعادة لا تكون، فقال :﴿وإليه ترجعون﴾ رداً عليهم في الأمرين، وقد ذكرنا ما يتعلق بالنحو في قوله : سبحان، أي سبحوا تسبيح الذي أو سبح من في السموات والأرض تسبيح الذي ﴿فسبحان﴾ علم للتسبيح، والتسبيح هو التنزيه، والملكوت مبالغة في الملك كالرحموت والرهبوت، وهو فعلول أو فعلوت فيه كلام، ومن قال هو فعلول جعلوه ملحقاً به.
ثم إن النبي ﷺ قال :" إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس " وقال الغزالي فيه : إن ذلك لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر، والحشر مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعله قلب القرآن لذلك، واستحسنه فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى (١)
سمعته يترحم عليه بسبب هذا الكلام.
ويمكن أن يقال بأن هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة بأقوى البراهين فابتداؤها بيان الرسالة بقوله :﴿إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين﴾ [ يس : ٣ ] ودليلها ما قدمه عليها بقوله :﴿والقرءان الحكيم﴾ [ يس : ٢ ] وما أخره عنها بقوله :﴿لِتُنذِرَ قَوْماً﴾ [ يس : ٦ ] وانتهاؤها بيان الوحدانية والحشر بقوله :﴿فسبحان الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ إشارة إلى التوحيد، وقوله :﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ إشارة إلى الحشر، وليس في هذه السورة إلا هذه الأصول الثلاثة ودلائله وثوابه، ومن حصل من القرآن هذا القدر فقد حصل نصيب قلبه وهو التصديق الذي بالجنان.