﴿وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ﴾ [الإسراء : ٤٤] وأنت ما وفيت البتة بعهد الطاعة والعبودية. وثالثها : أن نعمة الله بالإيمان أعظم النعم، والدليل عليه أن هذه النعمة لو فاتتك لكنت أشقى الأشقياء أبد الآبدين ودهر الداهرين، ثم هذه النعمة من الله تعالى لقوله :﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله﴾ [النحل : ٥٣] ثم مع أن هذه النعمة منه فإنه يشكرك عليها وقال :﴿فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ [الإسراء : ١٩] فإذا كان الله تعالى يشكرك على هذه النعمة فبأن تشكره على ما أعطى من التوفيق والهداية كان أولى، ثم إنك ما أتيت إلا بالكفران على ما قال :﴿قُتِلَ الإنسان مَا أَكْفَرَهُ﴾ [عبس : ١٧] فهو تعالى وفى بعهده، وأنت نقضت عهدك. ورابعها : أن تنفق نعمه في سيبل مرضاته، فعهده معك أن يعطيك أصناف النعم وقد فعل وعهدك معه أن تصرف نعمه في سبيل مرضاته وأنت ما فعلت ذلك :﴿كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّءاهُ استغنى﴾ [العلق : ٦، ٧]. وخامسها : أنعم عليك بأنواع النعم لتكون محسناً إلى الفقراء :﴿وَأَحْسِنُواْ إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين﴾ ثم إنك توسلت به إلى إيذاء الناس وإيحاشهم :﴿الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل﴾ [الحديد : ٢٤] [النساء : ٣٧]. وسادسها : أعطاك النعم العظيمة لتكون مقبلاً على حمده وأنت تحمد غيره فانظر إن السلطان العظيم لو أنعم عليك بخلعة نفيسة، ثم إنك في حضرته تعرض عنه وتبقى مشغولاً بخدمة بعض الأسقاط كيف تستوجب الأدب والمقت فكذا ههنا، واعلم أنا لو اشتغلنا بشرح كيفية وفائه سبحانه بعهد الإحسان والربوبية وكيفية نقضنا لعهد الإخلاص والعبودية لما قدرنا على ذلك فإنا من أول الحياة إلى آخرها ما صرنا منفكين لحظة واحدة من أنواع نعمه على ظاهرنا وباطننا وكل واحدة من تلك النعم تستدعي شكراً على حدة وخدمة على حدة، ثم أنا ما أتينا


الصفحة التالية
Icon