ومن لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قوله جلّ ذكره :﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾.
البلاء تحقيق الولاء، فأصدقهم ولاءً أشدُّهم بلاء.
ولقد ابتلى الحق - سبحانه - خليلَه ـ عليه السلام ـ بما فرض عليه وشرع له، فقام بشرط وجوبها، ووَفَّى بحكم مقتضاها، فأثنى عليه سبحانه بقوله :﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى﴾ [النجم : ٣٧] - من التوفيه - أي لم يُقَصِّر بوجهٍ ألبتة.
يقال حملَّه أعباء النبوة، وطالبه بأحكام الخُلَّة، وأشد بلاء له كان قيامه بشرائط الخلة، والانفراد له بالتجافي عن كل واحد وكل شيء، فقام بتصحيح ذلك مختليًا عن جميع ما سواه، سِرًّا وعَلَنًا.
كذلك لم يلاحظ جبريلَ ـ عليه السلام ـ حين تعرض له وهو يُقْذف في لُجة الهلاك، فقال : هل من حاجة ؟ فقال : أمَّا إِليكَ... فلا.
ومن كمال بلائه تعرض جبريل ـ عليه السلام ـ في تلك الحالة، وأي بقية كانت بقيت له منه حتى يكون لمخلوق فيه مساغ كائنًا من كان ؟ !
وفي هذا إشارة دقيقة إلى الفَرْقِ بين حال نبيِّنا ـ ﷺ ـ وحال إبراهيم ـ عليه السلام ـ، لأنه تعرض جبريل للخليل وعَرَضَ عليه نفسه :
فقال : أمَّا إليكَ... فَلاَ. ولم يُطِقْ جبريل صحبة النبي ـ ﷺ ـ فنطق بلسان العجز وقال :
لو دنوتُ أنملة لاحترقتُ.
وشتّان بين حالة يكون فيها جبريل ـ عليه السلام ـ من قُوَّتِه بحيث يعرض للخليل ـ عليه السلام ـ نفسه، وبين حالةٍ يعترف للحبيب - صلوات الله عليه - فيها بعجزه.
قوله جلّ ذكره :﴿إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِى قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾.


الصفحة التالية
Icon