ومن فوائد القاسمى فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾
﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ ﴾ أي : الذي بناه إبراهيم بأم القرى، وهو اسم غالب للكعبة كالنجم للثريا :﴿ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ ﴾ مباءة مرجعاً للحجاج والعمار، يتفرقون عنه ثم يتوبون إليه. ومثابة مفعلة من الثوب ؛ وهو الرجوع ترامياً إليه بالكلية، وسر هذا التفضل ظاهر في انجذاب الأفئدة وهوى القلوب وانعطافها ومحبتها له. فجذبه للقلوب أعظم من جذب المغناطيس للحديد فهو الأولى بقول القائل :
~مَحَاسِنُهُ هُيُوْلَى كُلِّ حُسْنٍ وَمِغْنَاطِيْسِ أَفْئِدَةِ الْرِّجَاْلِ
فهم يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار، ولا يقضون منه وطراً. بل كلما ازدادوا له زيارة، ازدادوا له اشتياقاً.
~لَاْ يَرْجِعُ الطًّرْفُ عَنْهَا حِيْنَ يُبْصِرُهَا حَتَّىْ يَعُوْدَ إِلَيْهَا الطَّرْفُ مُشْتَاْقَا
فلله كم لها من قتيل وسليب وجريح ! وكم أنفق في حبها من الأموال والأرواح ! ورضي المحب بمفارقة فلذا الأكباد والأهل والأحباب والأوطان، مقدماً بين يديه أنواع المخاوف، والمتالف، والمعاطب، والمشاق، وهو يستلذ ذلك كله ويستطيبه !
ذكر هذه الشذرة الإمام ابن القيم في أوائل " زاد المعاد ".