﴿ وَأَمْناً ﴾ موضع أمن. كقوله :﴿ حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ٦٧ ]، وكقوله :﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ [ آل عِمْرَان : ٩٧ ]، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لا يُسْبَون. وكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يعرض له، وفي هذا بيان شرف البيت من كونه محلاً تشتاق إليه الأرواح ولا تقضي منه وطراً، ولو ترددت إليه كل عام، استجابة من الله تعالى لدعاء خليله في قوله :﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْْ ﴾ [ إبراهيم : ٣٧ ]، إلى أن قال :﴿ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [ إبراهيم : ٤٠ ]، ومن كونه مأمناً لمن دخله. كما بيَّنَّا.
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال يوم فتح مكة :< إن هذا بلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة. وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قلبي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار >. الحديث.
وقوله تعالى :﴿ وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ قرئ بكسر الخاء، أمراً معترضاً بين الجملتين الخبرتين، أو بتقدير : وقلنا اتخذوا. وقرئ بفتح الخاء ماضياً معطوفاً على جعلنا. أي : واتخذوه مصلى، ومقام إبراهيم هو الحرم كله، عن مجاهد. وعنه : هو جمع ومزدلفة ومنى ومكة. ويقال : هو مقامه الذي هو في المسجد الحرام. فقد قال قتادة : إنما أمروا أن يصلُّوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلفت الأمم شيئاً مما تكلفته الأمم قبلها.
قال الراغب الأصفهاني : والأولى أنه الحرم كله، فما من موضع ذكروه إلا هو مصلى، أو مدعى أو موضع صلاة.
أقول : كان الأصل في الآية : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً ومصلى. إلا أنه عدل إلى هذا الأسلوب الحكيم دون ذاك، ودون أن يقال مثلاً : واتخذوا منه مصلى - لوجوه :