وسبب هذا التخصيص النص والقياس، أما النص فقوله تعالى :﴿فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الكافرين﴾ [المائدة : ٦٨] وأما القياس فمن وجهين :
الوجه الأول : أنه لما سأل الله تعالى أن يجعل الإمامة في ذريته، قال الله تعالى :﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين﴾ [البقرة : ١٢٤] فصار ذلك تأديباً في المسألة، فلما ميز الله تعالى المؤمنين عن الكافرين في باب الإمامة، لا جرم خصص المؤمنين بهذا الدعاء دون الكافرين ثم أن الله تعالى أعلمه بقوله :﴿فَأُمَتّعُهُ قَلِيلاً﴾ الفرق بين النبوة ورزق الدنيا، لأن منصب النبوة والإمامة لا يليق بالفاسقين، لأنه لا بد في الإمامة والنبوة من قوة العزم والصبر على ضروب المحنة حتى يؤدي عن الله أمره ونهيه ولا تأخذه في الدين لومة لائم وسطوة جبار، أما الرزق فلا يقبح إيصاله إلى المطيع والكافر والصادق والمنافق، فمن آمن فالجنة مسكنه ومثواه، ومن كفر فالنار مستقره ومأواه.
الوجه الثاني : يحتمل أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ قوي في ظنه أنه إن دعا للكل كثر في البلد الكفار فيكون في غلبتهم وكثرتهم مفسدة ومضرة من ذهاب الناس إلى الحج، فخص المؤمنين بالدعاء لهذا السبب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٤ صـ ٥١﴾
قوله تعالى ﴿فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا﴾
سؤال : لم وصف المتاع بالقلة ؟
والوصف بالقلة لسرعة انقضائه، إما لحلول الأجل، وإما بظهور محمد ـ ﷺ ـ فيقتله، أو يخرجه عن هذا البلد، إن أقام على الكفر والإمتاع بالنعيم والزينة، أو بالإمهال عن تعجيل الانتقام فيها، أو بالرزق، أو بالبقاء في الدنيا.
أهـ ﴿البحر المحيط حـ١صـ ٥٥٧﴾
وأجاب السمعانى عن هذا السؤال بقوله :
وإنما ذكر القليل لأن الإمتاع أصله الطول والكثرة يقال متع النهار أي طال وارتفع ونخلة ماتعة أي طويلة وإنما أراد به الإمتاع في الدنيا وهو قليل لانقطاعه
أهـ ﴿تفسير السمعانى حـ١صـ ١٣٩﴾
قوله تعالى :﴿ثم أضطره إلى عذاب النار﴾ احتراس من أن يَغتر الكافر بأنَّ تخويله النعم في الدنيا يؤذن برضى الله فلذلك ذُكر العذاب هنا. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ١ صـ ٤٧٨﴾


الصفحة التالية
Icon