"فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ١٦١" من دون اللّه "ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ" على الذات المقدسة بما تصمونها به "بِفاتِنِينَ ١٦٢" مضلين ومفسدين أحدا من خلقه، وأعاد بعض المفسرين ضمير عليه إلى ما فيكون المعنى ما أنتم بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة "إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ ١٦٣" حذفت الياء من (صال) وجعلت الكسرة دالة عليها لالتقاء الساكنين على كونه مفردا لأن معناها هنا يدل على المفرد، أما كلمة (صالُوا) الواردة في الآية ٥٩ من سورة ص المارة في ج ١ فقد حذف منها النون للاضافة وللالتقاء الساكنين فيها أيضا لأنه بلفظ الجمع ولهذا لم يكتب هنا بالواو لأنه بلفظ المفرد وقرىء بضم اللام قراءة شاذة على أنه معنى من جمع أي لا يفعل هذا الفعل المنهي عنه إلا من سبقت له الشقاوة من علم اللّه وقدر له دخول النار.
هذا، وقد جاء في هذه الآيات
من الإخبار بسخط اللّه العظيم على هؤلاء الكفرة المتجارئين على اللّه والإنكار الفظيع لأقاويلهم الكاذبة والاستبعاد الشديد لأباطيلهم وتسفيه أحلامهم وتركيك عقولهم وسخافة أفهامهم مع الاستهزاء بعقولهم والسخرية بأشخاصهم ما لا يخفى على المتأمل.
ثم حكى اللّه عن ملائكته فقال "وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ١٦٤" عند اللّه وهذا اعتراف منهم بالعبودية له جل شأنه وقد تمثل بهذا القول سيدنا جبريل عليه السلام ليلة الإسراء عند مفارقته لحضرة الرسول صلى اللّه عليه وسلم حينما صعد للقاء ربه كما مر في الآية الأولى من الإسراء في ج ١ وقال له في مثل هذا المكان يترك الخليل خليله أو الحبيب حبيبه، فأجابه (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) أي في القرب والمعرفة والمشاهدة لا يمكن أن يتعداه خضوعا لعظمة الإله وخشوعا لهيبته وتواضعا لجلاله.


الصفحة التالية
Icon