قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ﴿لاَ يَسْمَعُونَ﴾ بتشديد السين والميم وأصله يتسمعون، فأدغمت التاء في السين لاشتراكهما في الهمس، والتسمع تطلب السماع يقال تسمع سمع أو لم يسمع، والباقون بتخفيف السين، واختار أبو عبيد التشديد في يسمعون، قال : لأن العرب تقول تسمعت إلى فلان ويقولون سمعت فلاناً، ولا يكادون يقولون سمعت إلى فلان، وقيل في تقوية هذه القراءة إذا نفى التسمع، فقد نفى سمعه، وحجة القراءة الثانية قوله تعالى :﴿إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ﴾ [ الشعراء : ٢١٢ ] وروى مجاهد عن ابن عباس : أن الشياطين يسمعون إلى الملأ الأعلى، ثم يمنعون فلا يسمعون، وللأولين أن يجيبوا فيقولون التنصيص على كونهم معزولين عن السمع لا يمنع من كونهم معزولين أيضاً عن التسمع بدلالة هذه الآية، بل هو أقوى في ردع الشياطين ومنعهم من استماع أخبار السماء، فإن الذي منع من الاستماع فبأن يكون ممنوعاً من السمع أولى.
المسألة الثانية :
الفرق بين قولك سمعت حديث فلان، وبين قولك سمعت إلى حديثه، بأن قولك سمعت حديثه يفيد الإدراك، وسمعت إلى حديثه يفيد الإصغاء مع الإدراك.
المسألة الثالثة :
في قوله :﴿لاَّ يَسَّمَّعُونَ إلى الملإ﴾ قولان الأول : وهو المشهور أن تقدير الكلام لئلا يسمعوا، فلما حذف الناصب عاد الفعل إلى الرفع كما قال :﴿يُبَيّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ﴾ [ النساء : ١٧٦ ] وكما قال :﴿رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [ لقمان : ١٠ ] قال صاحب "الكشاف" : حذف أن واللام كل واحد منهما جائز بانفراده.
أما اجتماعهما فمن المنكرات التي يجب صوت القرآن عنها والقول الثاني : وهو الذي اختاره صاحب "الكشاف" أنه كلام مبتدأ منقطع عما قبله، وهو حكاية حال المسترقة للسمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة ويتسمعوا وهم مقذوفون بالشهب، مدحورون عن ذلك المقصود.
المسألة الرابعة :