وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ والصافات صَفَّا * فالزاجرات زَجْراً * فالتاليات ذِكْراً ﴾
هذه قراءة أكثر القرّاء.
وقرأ حمزة بالإدغام فيهنّ.
وهذه القراءة التي نفر منها أحمد بن حنبل لما سمعها.
النحاس : وهي بعيدة في العربية من ثلاث جهات : إحداهن أن التاء ليست من مخرج الصاد، ولا من مخرج الزاي، ولا من مخرج الذال، ولا من أخواتهن، وإنما أختاها الطاء والدال، وأخت الزاي الصاد والسين، وأخت الذال الظاء والثاء.
والجهة الثانية أن التاء في كلمة وما بعدها في كلمة أخرى.
والجهة الثالثة أنك إذا أدغمت جمعت بين ساكنين من كلمتين، وإنما يجوز الجمع بين ساكنين في مثل هذا إذا كانا في كلمة واحدة ؛ نحو دابة وشابة.
ومجاز قراءة حمزة أن التاء قريبة المخرج من هذه الحروف.
"وَالصَّافَّاتِ" قسم ؛ الواو بدل من الباء.
والمعنى برب الصَّافَّات و "الزَّاجِرَاتِ" عطف عليه.
﴿ إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ ﴾ جواب القسم.
وأجاز الكسائي فتح إن في القسم.
والمراد ب "الصَّافَّاتِ" وما بعدها إلى قوله :﴿ فالتاليات ذِكْراً ﴾ الملائكة في قول ابن عباس وابن مسعود وعِكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة.
تُصَفّ في السماء كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة.
وقيل : تصفّ أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد.
وهذا كما تقوم العبيد بين أيدي ملوكهم صفوفاً.
وقال الحسن :"صَفًّا" لصفوفهم عند ربهم في صلاتهم.
وقيل : هي الطير ؛ دليله قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ ﴾ [ الملك : ١٩ ].
والصف ترتيب الجمع على خط كالصفّ في الصلاة.
"وَالصَّافَّاتِ" جمع الجمع ؛ يقال : جماعة صافة ثم يجمع صافّات.
وقيل : الصّافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفًّا في الصلاة أو في الجهاد ؛ ذكره القشيري.
"فَالزَّاجِرَاتِ" الملائكة في قول ابن عباس وابن مسعود ومسروق وغيرهم على ما ذكرناه.
إما لأنها تزجر السحاب وتسوقه في قول السدّي.