وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ ﴾
من النداء الذي هو الاستغاثة ؛ ودعا قيل بمسألة هلاك قومه.
فقال :﴿ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً ﴾ [ نوح : ٢٦ ].
﴿ فَلَنِعْمَ المجيبون ﴾ قال الكسائي : أي "فَلَنِعْمَ الْمُجِيبونَ" له كنا.
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ﴾ يعني أهل دينه، وهم من آمن معه، وكانوا ثمانين على ما تقدّم.
﴿ مِنَ الكرب العظيم ﴾ وهو الغرق.
﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين ﴾ قال ابن عباس : لما خرج نوح من السفينة مات مَن معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه ؛ فذلك قوله :﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين ﴾.
وقال سعيد بن المسيّب : كان ولد نوح ثلاثة والناس كلّهم من ولد نوح : فسام أبو العرب وفارس والروم واليهود والنصارى.
وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب : السند والهند والنوب والزنج والحبشة والقبط والبربر وغيرهم.
ويافث أبو الصقالبة والترك ( واللان ) والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك.
وقال قوم : كان لغير ولد نوح أيضا نسل ؛ بدليل قوله :﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ﴾ [ الإسراء : ٣ ].
وقوله :﴿ قِيلَ يانوح اهبط بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وعلى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ هود : ٤٨ ] فعلى هذا معنى الآية :﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين ﴾ دون ذرية من كفر فإنا أغْرَقنا أولئك.
قوله تعالى :﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين ﴾ أي تركنا عليه ثناءً حسناً في كل أمة، فإنه مُحبَّب إلى الجميع ؛ حتى إن في المجوس من يقول إنه أفريدون.
روي معناه عن مجاهد وغيره.
وزعم الكسائي أن فيه تقديرين : أحدهما "وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ" يقال :"سَلامٌ عَلَى نُوحٍ" أي تركنا عليه هذا الثناء الحسن.
وهذا مذهب أبي العباس المبرّد.


الصفحة التالية
Icon