ولما كان قد أخبر أن نباتها في النار، فكان ذلك سبباً لزيادة تكذيبهم لأن عدم إيمانهم كان سبباً لضيق عقولهم، قال مؤكداً رداً على من يظن أن سبحانه لا يفتن عباده لأنه غني عن ذلك :﴿إنا جعلناها﴾ أي الشجرة بما لنا من العظمة ﴿فتنة للظالمين﴾ أي الذين يضعون الأشياء في غير مواضعها كمن هو في الظلام بكونها عذاباً لهم في الأخرى وسبباً لزيادة ضلالهم في الدنيا، ولو وضعوها مواضعها لعلموا أن من جعل في الشجر الأخضر ناراً لا تحرقه يستخرجونها هم متى شاؤوا فيحرقون بها ما شاؤوا من حطب وغيره قادر على أن ينبت في النار شجراً أخضر لا تحرقه النار، ثم نبه على أن محل الفتنة جعلها فيما ينكرونه، فقال تعالى مؤكداً لأجل إنكارهم معللاً لجعلها فتنة تخالطهم فتحيلهم في الدنيا بحرها وفي الأُخرى بأثرها :﴿إنها﴾ وحقق أمر نباتها بقوله :﴿شجرة﴾ وزاد الأمر بياناً بقوله :﴿تخرج﴾ وأكده بالظرف فقال :﴿في أصل﴾ أي ثابت وقعر ومعظم وقرار ﴿الجحيم﴾ أي النار الشديدة الاضطرام وفروعها ترتفع إلى دركاتها، ثم زاد ذلك وضوحاً وتصويراً بقوله :﴿طلعها﴾ أي الذي هو مثل طلع النخل في نموه ثم تشققه عن ثمرة ﴿كأنه رءوس الشياطين﴾ فيما هو مثل عند المخاطبين فيه، وهو القباحة التي بلغت النهاية، وهذا المثل واقع في أتم مواقعه سواء كان الشيطان عندهم أسماً للحية أو لغيرها، لأن قبح الشياطين وما يتصل بهم في أنهم شر مخص لا يخلطه خير مقرر في النفوس، ولهذا كان كل من استقبح منظر إنسان أو فعله يقول : كأنه شيطان، كما انطبع في النفوس حسن الملائكة وجلالتهم فشبهوا لهم الصور الحسان، ولذلك سمت العرب ثمر شجر يقال له الأستن بهذا الاسم، وهو شجر خشن مر منتن منكر الصورة.