وقال أبو السعود :
﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا على موسى وهارون ﴾
أي أنعمنا عليهما بالنبوَّة وغيرِها من النِّعم الدِّينيةِ والدُّنيويةِ ﴿ ونجيناهما وَقَوْمَهُمَا ﴾ وهم بنُو إسرائيلَ ﴿ مِنَ الكرب العظيم ﴾ هو مَلَكةُ آل فرعونَ وتسلطهم عليهم بألوان الغَشَمِ والعذاب كما في قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أنجيناكم مّنْ ءالِ فِرْعَونَ ﴾ وقيل هو الغَرَقُ وهو بعيد لأنَّه لم يكن عليهم كَرباً ومشقةً.
﴿ ونصرناهم ﴾ أي إيَّاهما وقومَهما على عدوِّهم ﴿ فَكَانُواْ ﴾ بسبب ذلك ﴿ هُمُ الغالبين ﴾ عليهم غلبةً لا غايةَ وراءها بعد أنْ كان قومُهما في أسرِهم وقَسْرِهم مقهورين تحت أيديهم العادية يسومُونهم سوء العذاب. وهذه التَّنجيةُ وإن كانتْ بحسب الوجودِ مقارنةً لما ذُكر من النَّصرِ والغَلَبة لكنَّها لما كانتْ بحسب المفهومِ عبارة عن التَّخليصِ من المكروهِ بُدىء بها ثمَّ بالنَّصر الذي يتحقَّقُ مدلُوله بمحضِ تنجيةِ المنصورِ من عدوِّه من غير تغليبهِ عليه ثم بالغلبةِ لتوفيةِ مقام الامتنانِ حقَّه بإظهار أنَّ كلَّ مرتبةٍ من هذه المراتبِ الثَّلاثِ نعمةٌ جليلةٌ على حيالها.
﴿ وءاتيناهما ﴾ بعد ذلك ﴿ الكتاب المستبين ﴾ أي البليغَ في البيان والتَّفصيلِ وهو التَّوراةُ ﴿ وهديناهما ﴾ بذلك ﴿ الصراط المستقيم ﴾ الموصِّلَ إلى الحقِّ والصَّوابِ بما فيه من تفاصيلِ الشَّرائعِ وتفاريعِ الأحكامِ ﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى الاخرين سلام على موسى وهارون ﴾ أي أبقينا فيما بين الأممِ الآخرين هذا الذِّكرَ الجميلَ والثَّناءَ الجزيلَ ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ ﴾ الجزاءِ الكاملِ ﴿ نَجْزِى المحسنين ﴾ الذين هُما من جُملتهم لا جزاء قاصراً عنه ﴿ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين ﴾ سبق بيانُه. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٧ صـ ﴾