وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فاستفتهم أَلِرَبِّكَ البنات وَلَهُمُ البنون ﴾
لما ذكر أخبار الماضين تسلية للنبي ﷺ احتج على كفار قريش في قولهم : إن الملائكة بنات اللّه ؛ فقال :"فَاْسْتَفْتِهِمْ".
وهو معطوف على مثله في أول السورة وإن تباعدت بينهم المسافة ؛ أي فسل يا محمد أهل مكة "أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ".
وذلك أن جُهَينة وخزاعة وبني مُلَيْح وبني سلمة وعبد الدار زعموا أن الملائكة بنات اللّه.
وهذا سؤال توبيخ.
﴿ أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴾ أي حاضرون لخلقنا إياهم إناثاً ؛ وهذا كما قال اللّه عز وجل :﴿ وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ ﴾ [ الزخرف : ١٩ ] ثم قال :﴿ أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ ﴾ وهو أسوأ الكذب ﴿ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ في قولهم إن للّه ولداً وهو الذي لا يلد ولا يولد.
و"إنّ" بعد "أَلاَ" مكسورة ؛ لأنها مبتدأة.
وحكى سيبويه أنها تكون بعد أَمَا مفتوحة أو مكسورة ؛ فالفتح على أن تكون أَمَا بمعنى حقًّا، والكسر على أن تكون أَمَا بمعنى أَلاَ.
النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول يجوز فتحها بعد أَلاَ تشبيهاً بأَمَا، وأمّا في الآية فلا يجوز إلا كسرها ؛ لأن بعدها الرفع.
وتمام الكلام "لَكَاذِبُونَ".
ثم يبتدىء ﴿ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ على معنى التقريع والتوبيخ كأنه قال : ويْحكم "أَصْطَفَى الْبَنَاتِ" أي أختار النباتِ وترك البنين.
وقراءة العامة "أَصْطَفَى" بقطع الألف ؛ لأنها ألف استفهام دخلت على ألف الوصل، فحذفت ألف الوصل وبقيت ألف الاستفهام مفتوحة مقطوعة على حالها مثل :﴿ أَطَّلَعَ الغيب ﴾ على ما تقدم.
وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وحمزة "اصطفى" بوصل الألف على الخبر بغير استفهام.
وإذا ابتدأ كسر الهمزة.