الأولى قوله تعالى :﴿ فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴾ "ما" بمعنى الذي.
وقيل : بمعنى المصدر، أي فإنكم وعبادتكم لهذه الأصنام.
وقيل : أي فإنكم مع ما تعبدون من دون اللّه ؛ يقال : جاء فلان وفلان.
وجاء فلان مع فلان.
﴿ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ ﴾ أي على اللّه ﴿ بِفَاتِنِينَ ﴾ بمضلّين.
النحاس.
أهل التفسير مجمعون فيما علمت على أن المعنى : ما أنتم بمضّلين أحداً إلا من قدّر اللّه عز وجل عليه أن يضِل.
وقال الشاعر :
فردّ بنعمته كيدَهُ...
عليهِ وكان لنا فاتِنا
أي مضلاًّ.
الثانية في هذه الآية ردٌّ على القَدَرية.
قال عمرو بن ذرّ : قدمنا على عمر بن عبد العزيز فذُكِر عنده القَدَر، فقال عمر : لو أراد اللّه ألاّ يُعْصى ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئة، وإن في ذلك لعلماً في كتاب اللّه جل وعزّ، عرفه من عَرَفَه، وجهله من جهله ؛ ثم قرأ ﴿ فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ﴾ [ الصافات : ١٦١ ] إلا من كتب اللّه عز وجل عليه أن يصلَى الجحيم.
وقال : فصَلت هذه الآية بين الناس، وفيها من المعاني أن الشياطين لا يَصِلون إلى إضلال أحد إلا من كتب اللّه عليه أنه لا يهتدي، ولو علم اللّه جل وعز أنه يهتدي لحال بينه وبينهم ؛ وعلى هذا قوله :﴿ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ﴾ [ الإسراء : ٦٤ ] أي لست تَصِل منهم إلى شيء إلا إلى ما في علمي.
وقال لَبِيد بن ربيعة في تثبيت القدَرِ فأحسن :
إنّ تَقْوى ربِّنا خير نَفَلْ...
وبِإذنِ اللّه رَيْثي وعَجَلْ
أحَمدُ اللّه فلا نِدَّ لهُ...
بِيديهِ الخيرُ ما شاء فَعَلْ
مَنْ هَدَاهُ سُبُلَ الخير اهتدى...
ناعِم البَالِ ومَنْ شاء أَضَلْ
قال الفراء : أهل الحجاز يقولون فتنت الرجل، وأهل نجد يقولون أفتنته.
الثالثة روي عن الحسن أنه قرأ :"إِلاَّ مَنْ هُوَ صالُ الْجَحِيمِ" بضم اللام.