فصل


قال الفخر :
﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) ﴾
واعلم أن هذا هو القصة السادسة وهو آخر القصص المذكورة في هذه السورة، وإنما صارت هذه القصة خاتمة للقصص، لأجل أنه لما لم يصبر على أذى قومه وأبق إلى الفلك وقع في تلك الشدائد فيصير هذا سبباً لتصبر النبي ﷺ على أذى قومه.
أما قوله :﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين * إِذْ أَبَقَ إِلَى الفلك المشحون﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال صاحب "الكشاف" قريء يونس بضم النون وكسرها.
المسألة الثانية :
دلت هذه الآية على أن هذه الواقعة إنما وقعت ليونس عليه السلام بعد أن صار رسولاً، لأن قوله :﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين * إِذْ أَبَقَ إِلَى الفلك﴾ معناه أنه كان من المرسلين حينما أبق إلى الفلك، ويمكن أن يقال : إنه جاء في كثير من الروايات أنه أرسله ملك زمانه إلى أولئك القوم ليدعوهم إلى الله، ثم أبق والتقمه الحوت فعند ذلك أرسله الله تعالى، والحاصل أن قوله :﴿لَمِنَ المرسلين﴾ لا يدل على أنه كان في ذلك الوقت مرسلاً من عند الله تعالى، ويمكن أن يجاب بأنه سبحانه وتعالى ذكر هذا الوصف في معرض تعظيمه، ولن يفيد هذه الفائدة إلا إذا كان المراد من قوله :﴿لَمِنَ المرسلين﴾ أنه من المرسلين عند الله تعالى.
المسألة الثالثة :
أبق من إباق العبد وهو هربه من سيده، ثم اختلف المفسرون فقال بعضهم : إنه أبق من الله تعالى، وهذا بعيد لأن ذلك لا يقال إلا فيمن يتعمد مخالفة ربه، وذلك لا يجوز على الأنبياء واختلفوا فيما لأجله صار مخطئاً، فقيل : لأنه أمر بالخروج إلى بني إسرائيل فلم يقبل ذلك التكليف وخرج مغاضباً لربه، وهذا بعيد سواء أمره الله تعالى بذلك بوحي أو بلسان نبي آخر، وقيل : إن ذنبه أنه ترك دعاء قومه، ولم يصبر عليهم.


الصفحة التالية
Icon