لأن الجلد غايته ثمانون وهذا حد الفرية على الأنبياء، قال القاضي عياض لا يجوز أن يلتفت إلى ما سطر الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا في مثل حادثة داود وسليمان و يوسف وأيوب عليهم السلام لانهم لم ينقلوها من كتاب صحيح، ولم يتلقوها من ثقة.
وإن اللّه تعالى لم ينص على شيء من ذلك ولا رسوله أخبر به، وقال الإمام فخر الدين الرازي : حاصل ما ذكره القصاص يرجع إلى أمرين : السعي إلى قتل رجل مؤمن بغير حق، والطمع في أخذ زوجة ذات زوج، وكلاهما منكر عظيم، فلا يليق بعاقل أن يظن أبدا بداود عليه السلام أنه أقدم على ذلك، كيف وإن اللّه أثنى عليه قبل ذكر القصة المسطورة في القرآن وبعدها، مما يدل على استحالة ما نقله القصاصون
، وكيف يتوهم من له مسكة من عقل، أن يقع ذم بين مدحين في كلام اللّه، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا، إذ لو وقع مثله بين كلام الناس لاستهجن، ولقال العقلاء للقائل أنت في مدح فكيف تذم من تمدح أثناء مدحك له ؟
ومن المعلوم أن الأنبياء أنموذج البشر فلا يقع منهم إلا ما يكون قدوة لهم في الأخلاق والآداب لأنهم كاملون ولا يصدر من الكامل إلا الكامل، وقيل كلام اللّه ملك الكلام، ورأي العاقل عقل من الآثام.


الصفحة التالية
Icon