فيما بينهما من الصنع البديع والمخلوقات المتنوعة والانتظام في سير الكواكب وما يحدث عنها من المنافع وكيفية نبات الأرض واختلاف أصنافه وألوانه وأشكاله وما فيها من المياه والأودية والجبال وما خد فيها من الطرق والمغاور والوديان، وما أودعه فيها من المعادن والدواب والحيات والطير
وما أودع فيها من الداء والدواء في نباتها ومعادنها، أي لا نجعل الصالحين المصلحين "كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ" الذين لا يفقهون شيئا من ذلك ولا يتدبرون مراد اللّه فيهما وما فيهما، وفضلا عن هذا يزعمونها باطلا، كلا لا يجعلهم اللّه سواء في الدنيا ولا في الآخرة "أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ" ما نهوا عنه الملازمين ما أمروا به لأن الخير كل الخير في التقوى وما أحسن ما قيل فيها :
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقيّ هو السعيد
وتقوى اللّه خير الزاد ذخرا وعند اللّه للأتقى مزيد
وما لا بدّ أن يأتي قريب ولكنّ الذي يمضي بعيد
أي لا نجعل هؤلاء المتقين أبدا "كَالْفُجَّارِ ٢٨" في الآخرة وان اتفقا في بعض الأشياء في الدنيا فبينهما في الآخرة بون شاسع، فهذا التقي يكون في عليين، وذلك الشقي في سجين، وهذا منعم، وذاك معذب "و أم" هذه والتي قبلها منقطعة وتقدر ب (بل) لأنها تفيد الإضراب والانتقال، والهمزة لإنكار التسوية بين الفريقين وتعيينها على أبلغ وجه وهذا القرآن العظيم هو "كِتابٌ" كثير البركة والخير "أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ" يا سيد الرسل "مُبارَكٌ" جليل النفع في الدنيا والآخرة فأمر قومك "لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ" فيعرفوا أسرار التكوين والتشريع منها "وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ٢٩" فيه بأنا لم ننزله إلا لهذه الغاية كما انا لم نخلقهم إلا للعبادة ونظير هذه الآية الآية ١٥٥ من الأنعام والآية ٥٠ من الأنبياء في ج ٢.


الصفحة التالية
Icon