ثم طفق يقص على رسوله زلة داوود فقال "وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ" يطلق على الجماعة المتخاصمين "إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ٢١" بيت عبادة داوود وخلوته مع ربه، إذ كانوا يسمونه محرابا ومنه محراب زكريا ومريم الواردين في الآية ١٥ من مريم الآتية و٣٧ من آل عمران في ج ٣ ويطلق على صدر المسجد ومحل وقوف الإمام عندنا أي هل بلغك ذلك "إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ" لعدم دخولهم من الباب وقفزهم من أعلى الجدار وعدم استئذانهم إذ لم يحس بهم إلا وهم بين يديه،
فقال لهما : لما ذا دخلتما متسورين الجدار ولم تستأذنوا وتدخلوا من الباب وكان عليه علامة الفزع لما رأى من جراءتهما هذه "قالُوا لا تَخَفْ" ولا تظن بنا سوءا انما نحن "خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ" وهذا من معاريض الكلام لا من تحقيق البغي لأنهما جبريل واسرافيل عليهما السلام أوفدهما اللّه إلى نبيه داود ليعرفاه زلته وذلك انه عليه السلام رأى آباءه إبراهيم ويعقوب وإسحق أفضل منه فسأل ربه عن ذلك، فقال : إنهم ابتلوا فصبروا ففضلوا، فقال يا رب لو ابتليتني لصبرت ولم يسأله العافية مما ابتلاهم طلبا لعلو الدرجات عنده لا اختبارا، فامتحنه اللّه بما ذكرهنا قال تعالى "فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ" تجر وتحف وتملّ عنه "وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ ٢٢" في هذه الخصومة بان تتبع الحق فيها وتعدل عن الباطل، قال تكلما، فقال أحدهما "إِنَّ هذا أَخِي" في الدين والخلقة لأن الملائكة لا تناسب بينهم ولا تقارب لأنهم خلقوا بلا شهوة ولا توالد بل بطريق التولد بلفظ كن بين الكاف والنون وإذا لم يكن توالد فلا تكون قرابة "لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً" امرأة والعرب تكني عن المرأة بالنعجة، قال ابن عون :
أنا أبوهن ثلاث هن رابعة في البيت صغراهن
ونعجتي خمس توفيهن آلا فتى سمح يغذيهن