فائدة
في الكلام التفات من التكلم إلى الغيبة في قوله : إذ قال له ربه أسلم، ولم يقل إذ قلنا له أسلم، والتفات آخر من الخطاب إلى الغيبة في المحكي من قول إبراهيم : قال أسلمت لرب العالمين، ولم يقل : قال أسلمت لك
أما الأول، فالنكتة فيه : الإشارة إلى أنه كان سرا استسر به ربه إذ أسره إليه فيما خلى به معه فإن للسامع المخاطب اتصالا بالمتكلم فإذا غاب المتكلم عن صفة حضوره انقطع المخاطب عن مقامه وكان بينه وبين ما للمتكلم من الشأن والقصة ستر مضروب، فأفاد : أن القصة من مسامرات الأنس وخصائص الخلوة.
وأما الثاني : فلأن قوله تعالى : إذ قال له ربه، يفيد معنى الاختصاص باللطف والاسترسال في المسارة لكن أدب الحضور كان يقتضى من إبراهيم وهو عبد عليه طابع الذلة والتواضع أن لا يسترسل، ولا يعد نفسه مختصا بكرامة القرب متشرفا بحظيرة الأنس، بل يراها واحدا من العبيد الأذلاء المربوبين، فيسلم لرب يستكين إليه جميع العالمين فيقول : أسلمت لرب العالمين. أ هـ
﴿الميزان حـ١ صـ٣٠١﴾
سؤال : ما معنى الإسلام فى قوله ﴿أسلم﴾ ؟
قال الإمام الفخر : قوله :﴿أَسْلَمَ﴾ ليس المراد منه الإسلام والإيمان بل أمور أخر. أحدها : الانقياد لأوامر الله تعالى، والمسارعة إلى تلقيها بالقبول، وترك الإعراض بالقلب واللسان، وهو المراد من قوله :﴿رَبَّنَا واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ [البقرة : ١٢٨]. وثانيها : قال الأصم :(أسلم) أي أخلص عبادتك واجعلها سليمة من الشرك وملاحظة الأغيار. وثالثها : استقم على الإسلام واثبت على التوحيد كقوله تعالى :﴿فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلا الله﴾ [محمد : ١٩]. ورابعها : أن الإيمان صفة القلب والإسلام صفة الجوارح، وأن إبراهيم ـ عليه السلام ـ كان عارفاً بالله تعالى بقلبه وكلفه الله تعالى بعد ذلك بعمل الجوارح والأعضاء بقوله :(أسلم). أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ١ صـ ٦٥﴾