ولما ذكر سبحانه في سورة الجمعة بعثه في الأميين عامة اقتضى المقام تقديم التزكية التي رأسها البراءة من الشرك الأكبر ليقبلوا ما جاءهم من العلم، وأما تقديمها في آل عمران مع ذكر البعث للمؤمنين فلاقتضاء الحال بالمعاتبة على الإقبال على الغنائم الذي كان سبب الهزيمة لكونها إقبالاً على الدنيا التي هي أم الأدناس ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إنك أنت العزيز﴾ أي الذي يغلب كل شيء ولا يغالبه شيء، لأن العزة كما قال الحرالي : الغلبة الآتية على كلية الظاهر والباطن، ﴿الحكيم﴾ أي الذي يتيقن ما أراد فلا يتأتى نقضه، ولا متصف بشيء من ذلك غيرك ؛ وفي ذلك إظهار عظيم لشرف العلم وطهارة الأخلاق، وأن ذلك لا ينال إلا بمجاهدات لا يطيقها البشر ولا تدرك أصلاً إلا بجد تطهّره العزة وترتيب أبرمته الحكمة ؛ هذا لمطلق ذلك فكيف بما يصلح منه للرسالة ؟ وفيه إشارة إلى أنه يكبت أعداء الرسل وإن زاد عدهم وعظم جدهم.
ويحكم أمورهم فلا يستطيع أحد نقض شيء منها. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٢٤٣ ـ ٢٤٤﴾


الصفحة التالية
Icon