ولما أمر تعالى نبيه عليه السلام بالصبر على ما يقول كفار قريش وغيرهم، أمره بأن يذكر من ابتلي فصبر، فذكر قصة داود وقصة سليمان وقصة أيوب ليتأسى بهم، وذكر ما لهم عنده من الزلفى والمكانة، فلم يكن ليذكر من يتأسى به ممن نسب المفسرون إليه ما يعظم أن يتفوه به ويستحيل عقلاً وجود بعض ما ذكروه، كتمثل الشيطان بصورة نبي، حتى يلتبس أمره عند الناس، ويعتقدون أن ذلك المتصور هو النبي، ولو أمكن وجود هذا، لم يوثق بإرسال نبي، وإنما هذه مقالة مسترقة من زنادقة السوفسطائية، نسأل الله سلامة أذهاننا وعقولنا منها.
﴿ ثم أناب ﴾ : أي بعد امتحاننا إياه، أدام الإنابة والرجوع.
﴿ قال رب اغفر لي ﴾ : هذا أدب الأنبياء والصالحين من طلب المغفرة من الله هضماً للنفس وإظهاراً للذلة والخشوع وطلباً للترقي في المقامات، وفي الحديث :" إني لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة "، والاستغفار مقدمة بين يدي ما يطلب المستغفر بطلب الأهم في دينه، فيترتب عليه أمر دنياه، كقول نوح في ما حكى الله عنه :﴿ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ﴾ الآية.
والظاهر أن طلب الملك كان بعد هذه المحنة.
وذكر المفسرون أنه أقام في ملكه عشرين سنة قبل هذا الابتلاء، وأقام بعدها عشرين سنة، فيمكن أنه كان في ملك قبل المحنة، ثم سأل بعدها ملكاً مقيداً بالوصف الذي بعده، وهو كونه لا ينبغي لأحد من بعده، واختلفوا في هذا القيد، فقال عطاء بن أبي رباح وقتادة : إلى مدة حياتي، لا أسلبه ويصير إلى غيري.
وقال ابن عطية : إنما قصد بذلك قصداً جائزاً، لأن للإنسان أن يرغب من فضل الله فيما لا يناله أحد، لا سيما بحسب المكانة والنبوة.
وانظر إلى قوله :﴿ لا ينبغي ﴾، إنما هي لفظة محتملة ليست تقطع في أنه لا يعطي الله نحو ذلك الملك لأحد. انتهى.