وقال الزمخشري : كان سليمان عليه السلام ناشئاً في بيت الملك والنبوة ووارثاً لهما ؛ فأراد أن يطلب من ربه معجزة، فطلب على حسب إلفه ملكاً زائداً على الممالك زيادة خارقة للعادة بالغة حد الإعجاز، ليكون ذلك دليلاً على نبوته، قاهراً للمبعوث إليهم، ولن يكون معجزة حتى تخرق العادات، فذلك معنى قوله :﴿ لا ينبغي لأحد من بعدي ﴾.
وقيل : كان ملكاً عظيماً، فخاف أن يعطي مثله أحد، فلا يحافظ على حدود الله فيه، كما قالت الملائكة :﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك ﴾ وقيل : ملكاً لا أسلبه، ولا يقوم فيه غيري مقامي.
ويجوز أن يقال : علم الله فيما اختصه به من ذلك الملك العظيم مصالح في الدين، وعلم أنه لا يطلع بأحبابه غيره، وأوجبت الحكمة استيهابه، فأمره أن يستوهبه بأمر من الله على الصفة التي علم الله أن لا يضبطه عليها إلا هو وحده دون سائر عباده.
أو أراد أن يقول : ملكاً عظيماً، فقال :﴿ لا ينبغي لأحد من بعدي ﴾، ولم يقصد بذلك إلا عظمة الملك وسعته، كما تقول لفلان : ما ليس لأحد من الفضل والمال، وربما كان للناس أمثال ذلك، ولكنك تريد تعظيم ما عنده. انتهى.
ولما بالغ في صفة هذا الملك الذي طلبه، أتى في صفته تعالى باللفظ الدال على المبالغة فقال :﴿ إنك إنت الوهاب ﴾ : أي الكثير الهبات، لا يتعاظم عنده هبة.
ولما طلب الهبة التي اختص بطلبها، وهبه وأعطاه ما ذكر تعالى من قوله :﴿ فسخرنا له الريح ﴾.
وقرأ الجمهور : بالإفراد ؛ والحسن، وأبو رجاء، وقتادة، وأبو جعفر : الرياح بالجمع، وهو أعم لعظم ملك سليمان، وإن كان المفرد بمعنى الجمع لكونه اسم جنس.
﴿ تجري ﴾ : يحتمل أن تكون جملة حالية، أي جارية، وأن تكون تفسيرية لقوله :﴿ فسخرنا له الريح ﴾.
﴿ بأمره ﴾ ؛ أي لا يمتنع عليه إذا أراد جريها.
﴿ رخاء ﴾، قال ابن عباس والحسن والضحاك : مطيعة.
وقال مجاهد : طيبة.