وابن المنذر ما هو ظاهر في أن ذلك من أخبار كعب ومعلوم أن كعباً يرويه عن كتب اليهود وهي لا يوثق بها على أن إشعار ما يأتي بأن تسخير الشياطين بعد الفتنة يأبى صحة هذه المقالة كما لا يخفى، ثم إن أمر خاتم سليمان عليه السلام في غاية الشهرة بين الخواص والعوام ويستبعد جداً أن يكون الله تعالى قد ربط ما أعطى نبيه عليه السلام من الملك بذلك الخاتم وعندي أنه لو كان في ذلك الخاتم السر الذي يقولون لذكره الله عز وجل في كتابه والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وقال قوم : مرض سليمان عليه السلام مرضاً كالإغماء حتى صار على كرسيه كأنه جسد بلا روح وقد شاع قولهم في الضعيف : لحم على وضم وجسد بلا روح فالجسد الملقى على الكرسي هو عليه السلام نفسه.
وروى ذلك عن أبي مسلم وقال في قوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَنَابَ ﴾ أي رجع إلى الصحة وجعل ﴿ جَسَداً ﴾ حالاً من مفعول ﴿ ألقينا ﴾ المحذوف كأنه قيل ولقد فتنا سلميان أي ابتليناه وأمرضناه وألقيناه على كرسيه ضعيفاً كأنه جسد بلا روح ثم رجع إلى صحته، ولا يخفى سقمه، والحق ما ذكر أولاً في الحديث المرفوع، وعطف ﴿ مَنْ أَنَابَ ﴾ بثم وكان الظاهر الفاء كما في قوله تعالى :﴿ واستغفر رَبَّهُ ﴾ قيل إشارة إلى استمرار إنابته وامتدادها فإن الممتد يعطف بها نظراً لأواخره بخلاف الاستغفار فإنه ينبغي المسارعة إليه ولا امداد في وقته، وقيل : إن العطف بثم هنا لما أنه عليه السلام لم يعلم الداعي إلى الإنابة عقيب وقوعه وهذا بخلاف ما كان في قصة داود عليه السلام فإن العطف هناك على ظن الفتنة واللائق به أن لا يؤخر الاستغفار عنه، وقيل : العطف بها هنا لما إن بين زمان الإنابة وأول زمان ما وقع منه عليه السلام من ترك الاستثناء مدة طويلة وهي مدة الحمل وليس بين زمان استغفار داود عليه السلام وأول زمان ما وقع منه كذلك.