لفظ الآية يدل على أن ذلك النصب والعذاب إنما حصل من الشيطان ثم ذلك العذاب على القول الأول عبارة عما حصل في بدنه من الأمراض، وعلى القول الثاني عبارة عن الأحزان الحاصلة في قلبه بسبب إلقاء الوساوس، وعلى التقديرين فيلزم إثبات الفعل للشيطان، وأجاب أصحابنا رحمهم الله بأنا لا ننكر إثبات الفعل للشيطان لكنا نقول فعل العبد مخلوق لله تعالى على التفصيل المعلوم.
أما قوله تعالى :﴿اركض بِرِجْلِكَ﴾ فالمعنى أنه لما شكى من الشيطان، فكأنه سأل ربه أن يزيل عنه تلك البلية فأجابه الله إليه بأن قال له :﴿اركض بِرِجْلِكَ﴾ والركض هو الدفع القوي بالرجل، ومنه ركضك الفرس، والتقدير قلنا له اركض برجلك، قيل إنه ضرب رجله تلك الأرض فنبعت عين فقيل :﴿هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ أي هذا ماء تغتسل به فيبرأ باطنك، وظاهر اللفظ يدل على أنه نبعت له عين واحدة من الماء اغتسل فيه وشرب منه.
والمفسرون قالوا نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى، فذهب الداء من ظاهره ومن باطنه بإذن الله، وقيل ضرب برجله اليمنى فنبعت عين حارة فاغتسل منها ثم باليسرى فنبعت عين باردة فشرب منها.
ثم قال تعالى :﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ﴾ فقد قيل هم عين أهله وزيادة مثلهم، وقيل غيرهم مثلهم، والأول : أولى لأنه هو الظاهر فلا يجوز العدول عنه من غير ضرورة، ثم اختلفوا فقال بعضهم : معناه أزلنا عنهم السقم فعادوا أصحاء، وقال بعضهم : بل حضروا عنده بعد أن غابوا عنه واجتمعوا بعد أن تفرقوا.
وقال بعضهم : بل تمكن منهم وتمكنوا منه فيما يتصل بالعشرة وبالخدمة.
أما قوله :﴿وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ﴾ فالأقرب أنه تعالى متعه بصحته وبماله وقواه حتى كثر نسله وصار أهله ضعف ما كان وأضعاف ذلك، وقال الحسن رحمه الله : المراد بهبة الأهل أنه تعالى أحياهم بعد أن هلكوا.


الصفحة التالية