ثم قال :﴿رَحْمَةً مّنَّا﴾ أي إنما فعلنا كل هذه الأفعال على سبيل الفضل والرحمة، لا على سبيل اللزوم.
ثم قال :﴿وذكرى لأِوْلِى الألباب﴾ يعني سلطناً البلاء عليه أولاً فصبر ثم أزلنا عنه البلاء وأوصلناه إلى الآلاء والنعماء، تنبيهاً لأولي الألباب على أن من صبر ظفر، والمقصود منه التنبيه على ما وقع ابتداء الكلام به وهو قوله لمحمد :﴿اصبر على مَا يَقُولُونَ واذكر عَبْدَنَا دَاوُودُ﴾ وقالت المعتزلة قوله تعالى :﴿رَحْمَةً مّنَّا وذكرى لأِوْلِى الألباب﴾ يعني إنما فعلناها لهذه الأغراض والمقاصد، وذلك يدل على أن أفعال الله وأحكامه معللة بالأغراض والمصالح والكلام في هذا الباب قد مر غير مرة.
أما قوله تعالى :﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً﴾ فهو معطوف على اركض والضغث الحزمة الصغيرة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك.
واعلم أن هذا الكلام يدل على تقدم يمين منه، وفي الخبر أنه حلف على أهله، ثم اختلفوا في السبب الذي لأجله حلف عليها، ويبعد ما قيل إنها رغبته في طاعة الشيطان، ويبعد أيضاً ما روي أنها قطعت الذوائب عن رأسها لأن المضطر إلى الطعام يباح له ذلك بل الأقرب أنها خالفته في بعض المهمات، وذلك أنها ذهبت في بعض المهمات فأبطأت فحلف في مرضه ليضربنها مائة إذا برىء، ولما كانت حسنة الخدمة له لا جرم حلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها، وهذه الرخصة باقية، وعن النبي ﷺ أنه أتى بمجذم خبث بأمة فقال :
" خذوا عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة ".


الصفحة التالية
Icon