ولما كان تعالى يعيد الخلق في القيامة على غاية الإحكام في أبدانهم ومعانيها فتكون أبصارهم أحد ما يمكن أن تكون وأنفذه " اسمع بهم وابصر يوم يأتوننا فبصرك اليوم حديد " عدوا أبصارهم في الدنيا بالنسبة إليها عدماً، فلذلك عرفوا قولهم :﴿الأبصار﴾ أي منا التي لا أبصار في الحقيقة سواها فلم نرها وهم فينا ومعنا في النار ولكن حجبهم عنا بعض أوديتها وجبالها ولهبها.
ف ﴿أم﴾ معادلة لجملة السخرية، وقد علم بهاذ التقدير أن معنى الآية إلى إنفصال حقيقي معناه : أهم معنا أم لا؟ فهي من الاحتباك : أثبت الاتخاذ المذكور الذي يلزمه بحكم العناد بين الجملتين عدم كون المستسخر بهم معهم في النار أولاً دليلاً على ضده ثانياً، وهو كونهم معهم فيها، وأثبت زيغ الأبصار ثانياً اللازم منه بمثل ذلك كونهم معهم في النار دليلاً على ضده أولاً وهو كونهم ليسوا معهم، وسر ذلك أن الموضع لتسحرهم ولومهم لأنفسهم، في غلطهم والذي ذكر عنهم أقعد في ذلك.
ولما كان هذا أمراً رائعاً جداً زاجراً لمن له عقل فتأمله مجرداً لنفسه من الهوى، وكانت الجدود تمنعهم عن التصديق به، كان موضعاً لتأكيد الخبر عنه فقال :﴿إن ذلك﴾ أي الأمر العظيم الذي تقدم الإخبار به ﴿لحق﴾ أي ثابت لا بد من وقوعه إذا وقع مضمونة وافق الواقع منه هذا الإخبار عنه، ولما كان أشق ما فيه عليهم وأنكأ تخاصمهم جعله هو المخبر به وحده، فقال مبيناً له مخبراً عن مبتدإ استئنافاً تقديره : هو ﴿تخاصم أهل النار﴾ لأنه ما أناره لهم إلا الشر والنكد فسمي تخاصماً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٦ صـ ٣٩٦ ـ ٤٠٠﴾